

فهذا الكتاب يحمل اسم (صالح عليه السلام وأسباب هلاك قوم ثمود)، وهو ضمن سلسلة الأنبياء والمرسلين، ومشروعي في القصص القرآني، والتي صدر منها:
- موسوعة «نشأة الحضارة الإنسانيّة الأولى وقادتها العِظام؛ آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد (ﷺ)».
- النبيّ الوزير يوسف الصدّيق (عليه السلام) من الاِبتلاء إلى التمكين.
- الأنبياء الملوك داود وسليمان (عليهما السلام) وهيكل سليمان المزعوم.
- لوط (عليه السلام) ودعوته لقومه الظالمين وعقاب الله لهم.
- هود (عليه السلام) وزوال حضارة عاد.
إنّ قصّة صالح (عليه السلام) حُفِظت في القرآن الكريم لكي تستفيد الإنسانيّة من أحداثها المليئة بالمواقف والدروس والعِبر، والقوانين، والسُّنن، والابتلاءات، وقد حفظ الله تعالى للبشريّة في كتابه الكريم أهمّ محطّات تاريخها، ومن بينها قصّة صالح (عليه السلام) مع قومه ثمود.
وحتى تكون قصة نبي الله صالح (عليه السلام) واضحة حرصت على تقسيمه لعدة مباحث، وهي:
يتحدث المبحث الأوّل عن أصل الثموديّين، وتاريخهم، وعصرهم، ونقوشهم، ومساكنهم، وحياتهم.
وفي المبحث الثاني تناولت قصّة صالح (عليه السلام) في سورة الأعراف، وهود، والحجر، والشعراء، والنّمل، والقمر، والشمس، وعن السور التي فيها إشارات سريعة لقصّة صالح (عليه السلام) مع ثمود؛ كسورة الإسراء، وفُصّلت، والفجر، والذاريات، والآيات التي ذُكرت فيها ثمود مع الأمم الهالكة.
ولقد وقفتُ مع الآيات الكريمة في التأمّل والتدبّر والتفكّر، واستخراج الفوائد منها، والدروس والعبر، واِلتزمتُ التفسيرَ الموضوعيّ، واِستفدتُ من علماء التفسير، وفقهاء الشريعة، وأهل التخصّص في علم التاريخ والحضارات، فكان هناك وقفات مع قصّة صالح (عليه السلام) مع قومه في فقه السنن الإلهيّة، وقضايا التوحيد، والعقائد، والأخلاق، والقيَم، والمبادئ.
وفي المبحث الثالث: كان الحديث عن أسباب هلاك قوم ثمود، وذكرتُ منها:
أوّلاً: الكفر بالله (عزّ وجل).
ثانياً: الشرك بالله.
ثالثاً: التكذيب.
رابعاً: الظلم.
خامساً: استعجال العذاب.
سادساً: الإسراف والترف.
سابعاً: الاستكبار.
ثامناً: الإجرام.
تاسعاً: المكر.
عاشراً: الفساد.
الحادي عشر: الطغيان.
الثاني عشر: بطر النعمة.
الثالث عشر: الخطايا والذنوب.
الرابع عشر: انتهاك حُرُمات الله.
الخامس عشر: سنّة الإملاء والاستدراج.
السادس عشر: الانشغال بالدنيا عن الآخرة.
السابع عشر: سنّة الاستبدال.
الثامن عشر: سنّة الأجل الجماعيّ.
التاسع عشر: سنّة الهلاك.
العشرون: سنّة الخسران.
الحادي والعشرون: الغفلة عن أسباب الهلاك.
وفي المبحث الرابع: أهمّ صفات وخصائص صالح (عليه السلام)، ووفاته.
وقد بيّنتُ في هذا المبحث حقيقة الرُّسل، وصِفاتهم، وبأنّ الرسالة اِصطفاء من الله، وبأنّ الرسول يوحى إليه من ربّه، وطُرق الوحي، والفرق بين النبيّ والرسول وأهمّ صفات الرسل ومنهم صالح (عليه السلام)؛ كالصدق، والفطانة، والتبليغ، والعصمة، ومكارم الأخلاق، والكمال في الخلقة الظاهرة، والسلامة من الأمراض المُنفّرة، وأهميّة الإيمان بالأنبياء والمرسلين، وعدد الرسل، والتفاضل بين الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، وحكمة إرسال الرسل عامّة، ووظائفهم، والأمور التي تفرّد بها الأنبياء.
وتناولت في نهاية الكتاب الحديث عن وفاة صالح (عليه السلام)، وحَجّه لبيت الله الحرام قبل وفاته.
إنّ القصص القرآني مدرسة عظيمة في تعليم الشعوب، والأمم حقائق الوجود، ومسار الحضارات، وأحوال الأمم الغابرة، ومن خلالها نستلهم الدروس، ونفهم السنن، كما أنّ الأنبياء والمرسلين مرجعيّة روحيّة وأخلاقيّة، وعقائديّة، ودينيّة لمعرفة الصراط المستقيم والإجابة على كلّ الأسئلة التي تشغل بني الإنسان فيما يسمّى بالأسئلة الوجوديّة، كما أنّ الوقوف مع أقوال الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، والتأمّل فيها تُكسبنا مَلكات وقدرات عقلانيّة ومنطقيّة ووجدانيّة في الحوار، ودعوة الناس لدين الله الحق، والتضييق على منافذ الشيطان الرجيم، والنفس الأمّارة بالسوء.
وأخيراً: لا يسعُني في نهاية هذا الكتاب إلّا أن أقف بقلب خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلهي الكريم، معترفاً بفضله وكرمه وجوده، متبرّئاً من حولي وقوّتي، وملتجئاً إليه في كلّ حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي.
فالله العزيز الحكيم، الخلّاق العليم، الرؤوف الرحيم؛ هو المتفضّل. وربّي الكريم وإلهي العظيم؛ هو الموَفِّق، فلو تخلّى عنّي ووكّلني إلى عقلي ونفسي لتبلّد منّي العقل وغابت الذاكرة، ويبست الأصابع، وجفّت العواطف، وتحجّرت المشاعر، وعجر القلم عن البيان.
اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك وطاعتك.
اللهم إنّي أعوذ بك من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء وطريق الغواية.
اللهم بصّرني بما يرضيك واشرح صدري، وجنّبني اللهم ما لا يرضيك، واصرفه عن قلبي وتفكيري، وأسألك يا الله بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تُثبِّتني وإخواني الذين أعانوني على إتمام هذا الجهد.
اللهم اجعل هذا العمل لوجهك خالصاً، ولعبادك نافعاً، واطرح فيه البركة والقبول والنصح العميم، ونرجو من كلّ من يطّلع على هذا الكتاب ألّا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربّه ومغفرته ورحمته ورضاه من دعائه.
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)﴾ [النمل: 19].
والحمد لله رب العالمين.
الفقير إلى عفو ربّه ومغفرته ورحمته ورضواته
د. علي محمّد محمّد الصَّلَّابي.