مهارات مقاومة الضغوط النفسية

alarab
محليات 06 مايو 2024 , 01:10ص
د. العربي عطاء الله

إن عدم قدرتك على الشعور بالسعادة والتوافق مع ذاتك أو مع الآخرين - يُعَد عَرَضًا من أعراض الاعتلال النفسي، ولا يعني ذلك المرض النفسي الذي يستدعي التدخل والمساعدة الطبية لعلاجه، وإن كان العلاج النفسي حقًّا لا غبار عليه، بل هو لدى العقول والثقافات المتفتحة ليس إلا تدليلاً للنفس ومزيدًا من العناية بها، وبجانب عدم قدرتك على الشعور بالسعادة أو التوافق هناك عدم القدرة على التركيز، النسيان وصعوبة الحفظ والتذكر، الشعور بالتعب السريع، الملل، فقدان الرغبة بالعمل، الميل للانعزال، الحساسيَّة المُفرِطة، انخفاض كفاءتك أو إنتاجيتك في العمل، عدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعية دافئة مع الآخرين، كل تلك مظاهر للاعتلال النفسي، وهو اعتلال طبيعي ولا يدعو للقلق، بل يتطلَّب قدرًا كافيًا من الوعي والسعي للعلاج والتعافي السريع، حتى لا تتفاقم الأمور مع مرور الزمن لتَجِد نفسك ذات يوم مصابًا بالاكتئاب مثلاً.

من أشهر الاضطرابات النفسية التي تعتري صحة الإنسان النفسية من حين لآخر: اضطرابات الضغط النفسي، والضغط النفسي هو حالة بدنية وشعورية تنتاب البشر جميعًا وفي جميع الأعمار، يختبرها الشخص عندما يشعر بوجود خطر يُهدِّد أمنه أو استقراره أو وجوده المادي أو الاجتماعي، أو كون هذا الخطر يُهدِّد مَن تَربِطه به علاقات أسرية أو عاطفية، فعندما تَفقِد عملك تعاني من ضغط نفسي؛ نتيجة تهديد استقرارك وأمنك المادي، وعندما يُصاب طفلك بالمرض تتعرَّض للضغط، نتيجة شعورك بخطر يُهدِّد طفلك الذي تربِطك به علاقة عاطفية وطيدة، وعندما يتهيأ الطالب للامتحان يتعرَّض لضغط، نتيجة وعيه بكون الامتحان عاملاً يُهدِّد مستقبله الدراسي وهكذا، وعلى هذا النحو تبدو الضغوط كظواهر طبيعية جدًّا من الضروري - بل والحتمي - أن يتعرَّض لها الواحد منا، ولهذا يتحدث عنها هانس سيلي بقوله: الضغط النفسي هو رد فعل الإنسان على التغيرات التي هي جزء من حياته اليومية، ولأجل هذا يَبرُز عامل السن بوضوح، حيث تَجد ردَّ فعل الشاب يختلف كثيرًا عن الرجل الناضج مثلاً، كما يبدو أن لعامل الجنس دورًا أيضًا، فرد فعل السيدات يختلف عن الرجال وإن تشابهت المواقف.
وبما أن مستوى الصحة النفسية له دوره في تشكيل رد الفعل تجاه متغيرات الحياة، وبالتالي في مواجهة الضغوط وشدتها، فهذا يعني أن الأشخاص الأصحاء نفسيًّا سيكونون أقدر من غيرهم على مواجهة الضغوط والتعافي منها سريعًا، فكلما كنت متوافقًا مع نفسك ومقدرًا لها سيكون بإمكانك تجاوز تلك الضغوط بأقل خسائر، أما الأشخاص المتوعكون نفسيًّا، فسيكون وقع الضغوط عليهم شديدًا، وربما أدى ذلك إلى تدهور حالتهم النفسية، وهكذا هم من سيئ لأسوأ، كمن يعاني من الأنيميا ثم يصاب بنوبة زكام حادة ثم بنزلة معوية وهكذا، ولو أن بنيته الجسدية أفضل لتغلب على نوبة الزكام سريعًا قبل أن تُهاجمه النزلة المعوية مثلاً ولخفت وطأة الأخيرة عليه.
الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وهي مُتغير من حين إلى حين، وبما أن درجة تحكم الإنسان وسيطرته على الحياة من حوله محدودة، فإن تَعرضه للضغوط يبدو حتميًّا، ومع ذلك فبعض الضغوط ذات أثر إيجابي في تقوية الفرد وإكسابه الخبرة، كما أنها تعمل عمل المحفز، ومن ذلك الضغط الناشئ لدى الطالب من مواجهة الامتحان مثلاً، مما يدفع الطالب للمزيد من الاستذكار وبذل الجهد، ومع ذلك يبدو أن الطالب المتفوق سيحظى بتأثير المحفز، خاصة إذا كان يتمتع بدرجة عالية من الثقة بالنفس والسيطرة على ما يتوجب عليه دراسته طوال العام، على عكس الطالب الخائف الذي قد ينهار سريعًا تحت وطأة ضغط الامتحان، فتتأثر ذاكرته وقدرته على التركيز؛ مما يعني الفشل المؤكد.