تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة حالة من نقص في الموارد المائية بسبب انخفاض معدلات تساقط الأمطار، والارتفاع المتواصل لدرجات الحرارة خلال الأشهر الماضية، وهو ما انعكس جليا على منسوب المياه في السدود التي تزود المدن الكبرى بحاجاتها، ما دفع السلطات إلى إعلان حال استنفار، وسن سياسة جديدة للتعامل مع الوضع.
وتسعى الحكومة الجزائرية للتوجه نحو طرق غير تقليدية للحصول على المياه، منها تحلية مياه البحر والمياه المعالجة لسد النقص، حيث تتجه الجزائر إلى استخدام المياه المحلاة لأغراض الشرب على طول الشريط الساحلي وبعمق 150 كم.
وتشير الأرقام إلى أن قطاع الزراعة يحتاج لـ 7.4 مليار متر مكعب، مقابل إنتاج 7.3 مليار متر مكعب حاليا، فيما يحتاج مجال الصناعة ومختلف الاستخدامات لـ 0.3 مليار متر مكعب.
ووافقت السلطات الجزائرية على استخراج 26 ألف رخصة لحفر الآبار خلال العام الماضي، مقارنة بـ 5500 رخصة في سنة 2000.
وتلبي السدود احتياجات الجزائر من مياه الشرب بنسبة 22 % ، فيما تضمن الآبار نسبة 60 % ، والمياه المحلاة 18 % سترتفع سنة 2024 إلى 42 % .
وفي مواجهة هذا الوضع المائي للبلاد قررت الحكومة الجزائرية إعادة تفعيل كل المشاريع المتوقفة لمحطات إعادة تدوير المياه عبر الولايات، وإدخالها قيد الاستغلال لاستخدامها في الري عوضا عن المياه الجوفية، كما تقرر تفعيل "شرطة المياه" التي تختص بمراقبة مجالات استعمال المياه، ومحاربة التبذير لمراقبة استغلال المياه بالبلاد، مع توقيع أقصى العقوبات ضد المخالفين لقانون حفر الآبار.
وقررت السلطات الجزائرية أيضا إنشاء مخطط لتعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي تجنبا لتداعيات الأوضاع المناخية الصعبة التي يمر بها العالم.
وخلال اجتماع لمجلس الوزراء الجزائري في السادس عشر من شهر أبريل الماضي، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على ضرورة تعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل شريط الساحل الجزائري.. مشيرا إلى أن هذا التوجه يأتي "كمخطط استراتيجي خصوصا أن تكنولوجيا التحكم في المحطات تحلية مياه البحر أصبحت جزائرية خالصة".
كما شدد الرئيس تبون على ضرورة ضمان توزيع المياه باستمرار وبحكمة أمام حالة تذبذب نزول الأمطار. وأمر بمراجعة مخططات تسيير توزيع المياه بما يوافق التوزيع العادل لمياه الشرب بين الأحياء، وضمن روزنامة معقولة، وباستخدام أحدث التكنولوجيات لتنظيم استهلاك المياه، بهدف الحفاظ عليها.
وفي هذا الصدد قال الدكتور أحمد كاتب الخبير الدولي في الموارد المائية، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "إن ظاهرة ندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ، سيكون لها تأثير مقلق للغاية على الزراعة وليس على إمدادات مياه الشرب للسكان فقط، باعتبار الزراعة هي أكبر مستهلك للمياه" ودعا إلى مراجعة نمط الاستهلاك بالكامل، واستراتيجية إدارة المياه.
وأكد الكاتب أنه لا يمكن مواجهة آثار التغير المناخي الذي سيحدث كل سنة، مشددا على ضرورة التكيف مع هذا الوضع الجديد من خلال وضع استراتيجية تتم من خلالها المراجعة الكاملة لطريقة استهلاك الموارد المائية واستغلالها.
وأعطي الخبير في الموارد المائية أهمية قصوى لتوفير المياه للقطاع الزراعي، لارتباطه بتحقيق الأمن الغذائي، ودعا في هذا السياق إلى تطوير واختيار أنواع الزراعات التي تستهلك كميات أقل من المياه، واعتماد طرق ري أكثر اقتصادا، مثل الري بالتنقيط بواسطة نظام إلكتروني.
كما طرح الدكتور كاتب اقتراحا آخر يتمثل في إنشاء مجلس وطني يخضع لسلطة رئيس الجمهورية، ويكون مسؤولا عن الأمن المائي والغذائي، ودعمه بدراسات مستقبلية.
وتمتلك الجزائر موارد المياه التقليدية التي تتمثل أساسا في المياه السطحية والجوفية والأحواض المغلقة، والأحواض الصحراوية جنوب البلاد، أما الثانية الموجودة في الطبقات المائية في كل مناطق شمال البلاد فموجهة لتلبية المستلزمات الفلاحية والتزويد بماء الشرب.
ووفق إحصاءات رسمية يستهلك الجزائريون سنويا ما بين 3.6 و4 مليارات متر مكعب 30 % منها تأتي من السدود، فيما تأتي البقية من الآبار ومحطات تحلية مياه البحر.
ومرت الجزائر صيف عام 2021 بأزمة مياه خانقة في ظل جفاف يضرب البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات، واعترفت وزارة الموارد المائية وقتها بوجود أزمة في التزود بالمياه الصالحة للشرب في 10 محافظات على الأقل بمناطق شمال ووسط البلاد.
وفي الجزائر العاصمة، لجأت السلطات الجزائرية إلى تزويد مناطق عدة بالماء مرة كل يومين، بسبب ما قالت إنه جفاف أو تراجع منسوب سدود تزود العاصمة بالماء الصالح للشرب.
وتثير موجة الجفاف التي تجتاح الجزائر مخاوف حقيقية من تداعياتها وتأثيرها على حملة الحصاد، ولتفادي ذلك شرعت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، في إطلاق عملية مراقبة ميدانية للبرنامج الوطني للسقي التكميلي للحبوب عبر كل الولايات المعنية.
ويهدف الإجراء إلى تأمين إنتاج الحبوب بالنسبة للمناطق الشمالية للبلاد التي تعتمد على التساقطات المطرية، بشكل واسع، بينما يعتبر السقي التكميلي للحبوب إجراء استثنائيا واحتياطيا يتم اللجوء إليه في حالة الجفاف.
وأوضح السيد لعلى بوخالفة، الخبير في القطاع الزراعي، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن هناك عدة عوامل ترهن الموسم الزراعي هذا العام أهمها قلة الأمطار، وقلة الموارد المائية الجوفية التي توجه للسقي الفلاحي.
وأضاف السيد بوخالفة أن المساحات المسقية الحالية يمكن أن يتراوح إنتاجها هذا العام ما بين 30 إلى 40 قنطارا في الهكتار، بينما قد تتضرر المساحات غير المسقية بشكل كامل، ولا تعتبر، برأي المتحدث، نوعية البذور والأسمدة سوى عوامل ثانوية أمام أزمة مياه الري.
ويرى الخبير الزراعي الجزائري أن "الظاهرة مرشحة للتكرار في ظل أزمة المناخ، بحكم أن نحو 80 % من الأراضي المزروعة مساحات غير مسقية"، داعيا إلى "وضع الماء في صلب تحقيق الأمن الغذائي، من خلال إنشاء أقطاب فلاحية في شرق وغرب وجنوب الجزائر".