الوفاء بالعهد والصدق في الوعد من أهم صفات العظماء
محليات
06 مايو 2016 , 06:09م
الدوحة العرب
قال الدكتور محمد بن حسن المريخي: إن العهود والمواثيق من أشد ما اعتنت به شريعتنا الإسلامية، ودعت إلى المحافظة عليها ورعايتها، والوفاء بها، مستشهداً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله سبحانه: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً).
جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، مشيراً إلى أن الله عز وجل أثنى على أنبيائه ورسله لوفائهم بالعهود والمواثيق حتى مع أعدائهم، موضحاً أن رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم قد أوفى بكل العهود والمواثيق التي عقدها، أو أعطاها للمشركين واليهود كصلح الحديبية وغيره.
ولفت فضيلته إلى أنَّ الصدق في الوعد والوفاء بالعهد صفات جميلة يتحلّى بها الأوفياء من البشر؛ لذا مدح الله نبيه إسماعيل عليه السلام بهذه الخصلة فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً).
الغدر والخيانة
وفي المقابل حذَّر المريخي من خيانة العهود والمواثيق والغدر بها، مبيناً أن الغدر وخيانة العهود والمواثيق، والرجوع عما أعطاه الإنسان لغيره منها يتنافى مع الإسلام ومع الفطرة السليمة، فالله تعالى مدح عباده المؤمنين فقال (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) وذم سبحانه وتعالى مَن نقض العهد وخان ما أعطاه للناس على نفسه من الالتزام والوفاء، ذمه الله تعالى وهدده (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
ونبّه الإمام على أنه يكفى خسةً لناقض العهد أنه يتشبه باليهود والنصارى عُبّاد الصليب كما قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) وقال (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) وقال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ)، كما يكفي خسةً للغادر الخائن أن هذه الصفة القبيحة هي صفة أرذل البشر من اليهود والكفار والمنافقين.
واستطرد فضيلته مخاطِباً المصلِّين بأن الإسلام توعَّد الغادر الخائن بالملاحقة في الدنيا واستمرار الملاحقة في الآخرة، بفضحه وكشف خبثه بين البشر في موقف القيامة بهذا أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام يقول: "لكل غادر لواءٌ يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان" رواه البخاري ومسلم.
علامة خبيثة
فيا فضيحةَ وندامة مَن توضع له علامة خبيثة سيئة يشتهر بها بين الناس ويعرفه بها أهل المحشر جميعاً بهذه العلامة أنه خائن غادر، وحسب الخائن الغادر من الخزي في الدنيا أن رسول الله سمّاه منافقاً، وصنفه ضمن صفوفهم وأسكنه معهم فقال: (أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) فعدد الأربع وذكر منها: "وإذا عاهد غدر" رواه البخاري ومسلم.
وأكد الخطيب بأن أعظم الغدر والخيانة خيانة دين الله تعالى والطعن فيه والتشكيك في عقيدته وإهماله وتهميشه وعدم رد المعتدِي عليه، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ثم خيانة العهود التي قطعها الناس على أنفسهم والمواثيق التي أعطوها لعباد الله: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
ونوَّه د.المريخي إلى أن قيمة الإنسان تظهر بوفائه والتزامه ومصداقيته، لهذا يسقط المرء إذا كان غداراً خواناً أثيماً، يسقط من عيون الثقات وتلتصق به صفة الغدر، عياذاً بالله، كصفة يعرف بها.
قيمة إنسانية
وأضاف أن للوفاء بالعهود قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى؛ لأنه يرسي دعائم الثقة بين الناس ويؤكد أواصر التعاون في المجتمع بحسب قوله، فيقول الراغب الأصفهاني : "الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور" لافتا بأنه إذا ترسخ الوفاء بالعهود بين طبقات المجتمع بات الناس آمنين على أنفسهم وممتلكاتهم وأرواحهم، فلن يَضيعَ شيء، ولن يُسفَك دم، ولن تُزْهق أرواح، وأما إذا انسلخ الإنسان من الوفاء أو فقَدَه فإنه ينسلخ من إنسانيته، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان وصيّرهُ قواماً لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش واستوحش الناس بعضهم بعضاً.
وقال: إن العهد والوفاء به كان خلقاً عظيماً في الجاهلية وكان المتحلي به ذا قيمة خلقية يعرف بها ويذكر. موضحا أن الإسلام أقر العرب على هذا الخلق العظيم وأكد عليهم به (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وعلق قائلاً: يقال هذا عباد الله في زمان أصبح الغدر والخيانة هدفاً يتطلع إليه، ومهنة تمارس علانية وجهاراً ومفخرةً يتفاخر بها من ضاع دينه وإيمانه، وصار هذا شيئاً مألوفاً، بل عده قاصرو العقل والدين شطارة ومهارة، نسأل الله العافية، وفي نفس الوقت يقال هذا في وقت غدرت فيه الأمم بأمة المسلمين ونقضت عهوداً كانت قد أبرمتها معها وذهب الكلام المعسول وتبدل بمرٍ مسموم.
بيع الذمم
واستنكر الدكتور المريخي ضياع أجزاء غالية من بلاد الإسلام بسبب الغدر والخيانة، قائلا: فكم من الدماء سفكت وكمْ من الأموال أهدرت وكم من الحقوق ضيعت، وكم من النعم جحدت، وكم من قيمة للمرء سرحت، وكم من مقامات هدمت، كل هذا وأكثر منه ذهب ويذهب بسبب الخيانات والغدر وبيع الذمم.
وشدد على أن القيمة الخلقية للمرء هي أغلى من كل غالٍ ونفيس، مشيراً إلي أن المرء المسلم بخلقه واستقامة سلوكه، وقال: فإذا ذهبت هذه القيمة فقد ذهب وولى، والناس مَهْما كانت أخلاقهم وتوجهاتهم إلا أنهم يجتمعون على الثناء على الصادق الموفي بعهده، وعلى ذم وتوبيخ الخائن الغادر وهذه فطرة انفطروا عليها.
وأوضح أن الإنسان مَهْما كان يملك من أملاك وخزائن فإنه لا يساوي شيئاً إذا لم يكن عنده الخلق والالتزام، فكم أوقع الغدر وسوء الخلق أصحابه في المهالك وضاقت عليهم الدنيا فما أغنت عنهم أموالهم ولا ما يملكون شيئاً.
الخلق النبيل
وأكد بأن الدنيا تحتاج إلى ثقات من الناس وصادقين وموفين بالعهود والمواثيق حتى تسير الراحلة بإذن الله، فليؤكد المرء على نفسه بهذا الخلق النبيل وهو الوفاء بالعهود والمواثيق، ولا يضره من خان وغدَر فإن الجنة لها أهل وللنار أهل، وسعادة الدنيا في طاعة الله ورسوله، والآخرة لمن اتقى وخاف مقام ربه، فيكفي خسارة للغادر أن الله تعالى أخبره أنه سبحانه خصيمُه بذاته وخصه بالذكر لفظاعة جرمه وبلائه، يقول تعالى في الحديث القدسي فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، قال الله تعالى: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حُرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) رواه البخاري.
وأفاد فضليته أن الخيانات تهدم البيوت والأسر وتشرد الأطفال وتلقى بالناس في الجحيم، وتفتت المجتمعات وتهز الدنيا، وتنزع الثقة بين الناس، وتعمم الفساد والبلاء وتجعل الدنيا ناراً لا تطاق وجحيماً يستوجب الفراق، مضيفاً أن الغادر والخائن عبارة عن جرثومة تنخر في المجتمع ينبغي استئصالها واجتثاثها، فأعظم ما يحفظ الإنسان من الوقوع في هذا الخلق الذميم هو التحلي بأخلاق الإسلام ليس زعماً ولكنه قولاً وعملاً، ففي الإسلام ما يحفظ الإنسان من هذا كله، ويجعله مثالاً للاقتداء به.
وختم فضيلة الإمام محمد بن حسن المريخي خطبته بالدعوة إلى التحلي بخلقي القناعة والرضا اللتين تجعلان الإنسان يرضى بما قسمه الله تعالى له، وفي الإسلام الوعد من الله تعالى لمن تمسك به أن يرضيه ويرفعه مكاناً عَلِيا، في الإسلام أن الأخلاق والتحلي بها من أكبر المنن الدنيوية التي ينالها العبد في دنياه، ويرفعه الله تعالى بها عنده في الآخرة درجات، وفي الإسلام غنيمة بما شرع الله تعالى للإنسان من الفضائل والمكارم التي إذا استمسك بها وتحلى بها فهو من أسعد الناس.
أ.س/س.س