الاقتصاد العالمي ينفض غبار أزمات 2015 وسط آمال بتحسن طفيف
اقتصاد
05 ديسمبر 2015 , 12:01ص
مصطفى منسي
نشرت شبكة بلومبيرج الاقتصادية تقريرا حول توقعاتها للاقتصاد العالمي، وقالت إنه في الوقت الذي يستعد العالم لطي صفحة عام 2015، واستقبال العام الجديد فإن الاقتصاد العالمي تحديدا يستعد لنمو أقوى في 2016 مما كان عليه في العام المنقضي ليسجل مستويات تتماشى مع متوسط النمو على المدى الطويل.
وأشارت بلومبيرج إلى أنه رغم تشاؤم بعض الاقتصاديين بشأن صحة الاقتصاد في العام الجديد، خصوصا في ظل التحديات التي يتعين على الصين التعامل معها للوصول إلى مستويات النمو المستهدفة، فإنه من المتوقع أن تحافظ الولايات المتحدة على وتيرة النمو ليتعافي الاقتصاد بدرجة أكبر في الوقت الذي يستمر الضعف في أوروبا واليابان ليبحثا عن المزيد من وسائل التحفيز الاقتصادي.
وأضافت بلومبيرج أن العام الجديد سوف يشهد تشغيل المجموعة الثالثة من الأهوسة في قناة بنما خلال شهر أبريل، الأمر الذي يجعل القناة قادرة على استقبال سفن أكبر مرتين ونصف المرة، مقارنة بالسفن العابرة في الوقت الحالي، وهو ما يعني المزيد من حركة التجارة، وبالتالي المزيد من الوظائف.
وقالت إن افتتاح قناة بنما يعتبر أحد الأحداث الهامة التي ستميز عام 2016، وتجعل منه عاما حافلا بالنسبة للاقتصاد العالمي. كما أنه من المتوقع أن يشهد العام التصديق على اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ من جانب 12 دولة تشكل في مجموعها نحو %40 من الإنتاج العالمي، كما تجرى انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة وتايوان، وتستضيف البرازيل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية وتبدأ الصين خطة خمسية جديدة. الحدث الأكبر سياسيا سيكون الاستفتاء المقرر في شهر أكتوبر في بريطانيا للتصويت على البقاء داخل الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، وهو ما سيؤثر على ثقة الأعمال في أوروبا.
تقول بلومبيرج إن تقديرات صندوق النقد الدولي وخبراء الاقتصاد الذين استطلعت الشبكة آراءهم تشير إلى أن النمو في عام 2016 سيكون أفضل من العام المنقضي، إلا أنه لا يزال من المستبعد العودة إلى معدلات النمو العالمي القوية والمتزامنة التي شهدها العالم في الأعوام الماضية.
النمو
يتوقع خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي أن تبلغ نسبة النمو العالمي %3.6، مرتفعة عن نسبة %3.1 المسجلة في 2015، وهي تقريبا نفس النسبة المتوسطة للفترة ما بين 1980 إلى 2014.
تستند هذه الأرقام على الأسلوب المفضل لصندوق النقد الدولي في قياس الناتج، وذلك باستخدام القوة الشرائية الحقيقية بالعملة المحلية. في حالة استخدام أسلوب القياس التقليدي القائم على أسعار الصرف في السوق فإن معدل النمو سوف ينخفض بحوالي %0.6 عن القياس الأول.
يقول أدير تيرنر، الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية البريطانية، إن العام الجديد سيكون «مقبولا»، معربا عن قلقه حيال حروب العملات غير المعلنة في أوروبا واليابان والتي تأتي في إطار سعي الدول لخفض قيم عملاتها لدعم الصادرات والتوظيف، وهو ما يعني سرقة النمو من الآخرين.
وقالت بلومبيرج إن العام القادم باختصار سوف يشهد الاستمرار في تباطؤ النمو في الصين، بينما تواصل الولايات المتحدة التفوق على الدول الغنية الأخرى. ومع الاستمرار في ضعف الطلب العالمي فإن ثمن المال الذي يقاس بأسعار الفائدة، وكذلك أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى سوف تبقى منخفضة.
البنوك المركزية
سوف يبقى رؤساء البنوك المركزية الرئيسية في العالم في دائرة الضوء، لاسيَّما جانيت يلين، ماريو دراجي، هاروهيكو كورودا، مع استمرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في محاولة رفع أسعار الفائدة، بينما يركز المركزي الأوروبي وبنك اليابان على البحث عن طرق لتحفيز النمو.
المتغير الأهم في عام 2016 سيكون الصين، التي شهدت انخفاضا في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي لأقل من %7 في الربع الثالث من عام 2015، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية ما بين 2008 و2009.
الاعتماد على الصين
أما بالنسبة للدول النامية التي أصبحت تعتمد اعتمادا كبيرا على الصين كعميل لمواردها مثل البرازيل، وشيلي، وإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وجنوب إفريقيا، وتايلاند، وفيتنام، فإنها سوف تواجه معضلة لأن شهية العالم للمنتجات الصينية لم تعد تنمو على نفس الوتيرة السابقة.
إضافة إلى هذا فإن الصين لم تعد بحاجة ملحة إلى البنية التحتية الضرورية مثلما كان الحال في السنوات القليلة الماضية. الرئيس الصيني شي جين بينغ -مثل سابقيه-يعيش أوقاتا صعبة في محاولة توجيه الاقتصاد نحو الاستهلاك المحلي كمصدر جديد للنمو.
في هذا السياق كتب لويز كيلي رئيس المؤسسة البحثية الأميركية «معهد الطلب» في أغسطس الماضي قائلا: «الصين في موقف صعب للانطلاق». يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ نمو الصين إلى %6.3 في 2016 منخفضا من %6.8 هذا العام. لا يزال هذا المعدل مقبولا وإن كان يبدو أقل من معدلات النمو «المتوسطة إلى مرتفعة» التي كرر قادة الصين في شهر أكتوبر رغبتهم في تحقيقها.
غير أن ويليم بيوتر، كبير الاقتصاديين في سيتي جروب، يبدو أكثر تشاؤما، حيث يقول: «نحن نعتبر الصين تواجه مخاطر دورة هبوط حاد»، مستندا في هذا الرأي إلى الفوائض الكبيرة وأعباء الديون العالية. ويحذر بيوتر من أن دخول روسيا والبرازيل بالفعل في حالة ركود سيجعل التباطؤ الحاد في الصين يؤثر بسرعة على غيرها من الأسواق الناشئة.
وأضاف بيوتر أن معظم الدول الغنية باتت تعتمد بشكل أقل على الصادرات إلى الصين، الأمر الذي يعني أنها لن تعاني من الركود بذاته ولكن مجرد النمو بوتيرة أبطأ.
وقالت بلومبيرج إن أسعار النفط الرخيصة تدفع معظم الاقتصاديين إلى التفاؤل بدرجة أكبر من بيوتر. رغم أن تدني أسعار النفط الخام تضر المصدرين، بما في ذلك روسيا وأعضاء منظمة أوبك، فإنها تعزز الدول المستوردة في العالم النامي، لاسيَّما من أميركا اللاتينية وإفريقيا، وآسيا، بما فيها الصين. يساعد النفط الرخيص أيضا الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، ولكن تكاليف الوقود تشكل الجزء الأصغر من إجمالي نفقاتها.
ولكن مع الأسف فإنه بالنسبة لخبراء الاقتصاد الكلي لا يمكن التنبؤ بحركة أسعار النفط مثل قدرتهم على توقع أداء الاقتصاد الصيني، لأن أسعار النفط تعتمد على حزمة من العناصر المتغيرة منها سياسة منظمة أوبك والصراع في الشرق الأوسط.
آفاق
فمن ناحية يتوقع فريق من المحللين أن يهبط سعر النفط لما دون 40 دولارا للبرميل العام المقبل، لأن الإنتاج يفوق الاستهلاك كما أن أماكن التخزين بدأت تنفد بسبب امتلائها بالفائض. هناك كميات غير مسبوقة من الخام محملة على السفن الناقلة وأصحابها يبحثون عن المشترين. على الجانب الآخر هناك فريق يتوقع ارتفاع أسعار النفط، معتبرين أن تدني الأسعار سوف يقلل من علميات التنقيب والإنتاج بدما يكفي لخلق نقص في الإنتاج ويدفع الأسعار إلى الارتفاع مجددا.
يقول عماد مشتاق المحلل في مؤسسة «اكليكتيك استراتيجي» في لندن إن برميل النفط قد يسجل 100 أو حتى 130 دولارا بحلول عام 2017.
وما بين من يتوقع الارتفاع الكبير في أسعار النفط ومن يرى استمرار الاتجاه الهبوطي يراهن التجار على أن الأسعار سوف ترتفع قليلا مع نهاية عام 2016 إلى ما يصل لحدود 56 دولارا للبرميل من مستوياتها الحالية التي تدور حول 49 دولارا.
وتقول بلومبيرج إن بعض فوائد النفط الرخيص اختفت بسبب سوء الأحوال الجوية بصورة غير معتادة في جميع الأنحاء المطلة على المحيط الهادئ. يقول كيفن ترنبيرث كبير الباحثين في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر بولاية كولورادو «يتكون واحد من أكبر ثلاثة أعاصير من نوع النينيو منذ عام 1950، ومن المتوقع أن يتسبب في اضطرابات كبيرة، انتشار الجفاف والفيضانات. الأعاصير التي ضربت المنطقة ما بين 1997 إلى 1998 أسفرت عن مقتل ثلاثين ألف شخص على الأقل وتسببت في خسائر تزيد عن 100 مليار دولار.
بالنسبة للولايات المتحدة، كان من المفترض أن يكون عام 2015 العام الذي يتعافى فيه الاقتصاد الأميركي بما يكفي للبدء في رفع معدلات الفائدة من مستوى الصفر تقريبا. ومع ذلك فإن الاحتياطي الفيدرالي أجل الموعد المقترح لرفع أسعار الفائدة إلى نهاية ديسمبر، بينما يبدو مارس 2016 الموعد الأكثر احتمالا، فيما تبقى فرصة ضئيلة لتأخير القرار لما بعد نهاية عام 2016.
استنادا إلى «مؤشر البؤس» الذي يقيس أرقام معدل التضخم والبطالة الذي سجل %5.1 في أكتوبر الماضي فإن الاقتصاد الأميركي في حالة جيدة مثلما كان منذ خمسينيات القرن الماضي. ولكن إذا كان مؤشر البؤس منخفضا إلى هذا المستوى، فما السبب في ارتفاع بؤس الكثير من الأميركيين؟ تقول شبكة بلومبيرج إن هذا يرجع لعدم ارتفاع الأجور بنفس المعدل الذي كان من المعتاد أن يحدث مع انخفاض معدل البطالة. وفقا لمؤسسة أبحاث سنتير فإن متوسط دخل الأسرة في سبتمبر انخفض %1.7 عن يناير 2000 بعد تعديله طبقا للتضخم. من المتوقع أن تنمو الأجور أسرع قليلا في عام 2016، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته برايس ووترهاوس كوبرز على الشركات الخاصة في الربع الثالث كشف أنها تريد رفع الأجور العام المقبل بنسبة %3.1 وهي المرة الأولى منذ 2008 التي لا تكون نسبة الزيادة فيها أقل من %3.
النمو في الولايات المتحدة لا يزال بعيدا عن مستويات التضخم المطلوبة، لذلك فإن الاحتياطي الفيدرالي يتعامل بحذر فيما يتعلق برفع معدلات الفائدة بسرعة خوفا من الإضرار بالنمو. تقول ليز إن سوندرز كبير مخططي الاستثمار في تشارلز شواب: «لا نزال في مرحلة الإصلاح والانتعاش، لم ندخل حتى في مرحلة التوسع».
العائلات الأميركية تسدد الديون منذ ركود 2007-2009 وهناك المزيد من الطلب المحتجز خاصة للسكن. يقول ستيف ريك، كبير الاقتصاديين في مجموعة كيونا التي تبيع التأمين والاستثمارات لأعضاء نقابة الائتمان «جيل الألفية بدأ يتحرك لترك قبو منزل الأسرة».
إنفاق المستهلكين
يمكن إن تشجع قوة إنفاق المستهلكين الشركات على الاستثمار لتطوير المصانع والمعدات والبرمجيات التي تأخر تحديثها. كتب تورستن سلوك كبير الاقتصاديين في دويتشه بنك في شهر أكتوبر الماضي قائلا: «كان الاستهلاك والاستثمار في حالة ضعف للغاية خلال هذا التوسع. لذلك أعتقد أننا على بعد عدة سنوات عن الركود المقبل».
أوروبا واليابان هما الأضعف، فخلافا للاقتصاد الأميركي الذي حقق النمو البطيء، ولكن الثابت منذ 2009، عانى الاثنان من انتكاسات دورية. يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يحرك أسعار الفائدة على المدى القصير في المنطقة السلبية حتى قبل بداية 2016، بينما يستعد بنك اليابان لزيادة شراء السندات لخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل.
اليونان
أما الأزمة اليونانية فقد باتت بعيدة عن الأضواء في الوقت الراهن، ولكن ربما تعود إلى نقطة البداية في أواخر 2016 إذا لم يتمكن رئيس الوزراء الكسيس تسيبراس من الحصول على موافقة لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب، وإصلاح سوق العمل، وإجراء عمليات الخصخصة التي يطالب بها الدائنون. من المؤكد أن البريطانيين يشعرون بالسعادة وهم يراقبون تطورات الأزمة اليونانية وهم راضون عن قرارهم بالاحتفاظ بعملتهم الوطنية الجنية الإسترليني. لكن في أكتوبر المقبل سوف يذهبون إلى صناديق الاقتراع للتصويت على قرار أكثر تطرفا: مغادرة الاتحاد الأوروبي تماما. يقول روس كويستريتش، كبير مخططي الاستثمار العالمي لبلاك روك، أحد الشركات الكبرى في إدارة الأصول الكبيرة «في حالة التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي فإن هذا سوف يقوض بشكل خطير الثقة في الأعمال التجارية في أوروبا».
تأتي أزمة اللاجئين لتشكل عامل الضغط الجديد على أوروبا وقادتها. من المفارقات الهامة أن هذه الأزمة قد تحفز النمو الاقتصادي على المدى القصير، على الأقل في ألمانيا. يقول مارت ريث رئيس التنبؤ الاقتصادي العالمي في المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في برلين: «نعتقد أنه سيكون دفعة قوية للناتج المحلي الإجمالي»، وبحسب المعهد فإن الحكومة ستقدم مساعدات للاجئين، وبدورهم سيقومون بالإنفاق في الغالب على السلع والخدمات المحلية، مما يضيف قرابة 0.1 أو %0.2 نموا على الناتج المحلي الإجمالي.
سوف تراقب الدول النامية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، خوفا من اتجاه المستثمرين لسحب الأموال منها، وإعادة استثمارها في الولايات المتحدة بعد رفع أسعار الفائدة. ربما لا تكون هذه المخاوف في محلها، لاسيَّما أن أمام المستثمرين ما لا يقل عن عامين لنقل الأموال. يرى الاقتصاديون في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس أن «قليلا من الناس سوف يفاجؤون عندما تقرر لجنة السوق المفتوحة الاتحادية القيام بهذه المهمة ورفع أسعار الفائدة، وربما في مارس».
وقالت بلومبيرج إن العام كان شديد السوء بالنسبة للبرازيل بسبب الأزمة السياسية وأسعار النفط، وبالنسبة لروسيا بسبب العقوبات الاقتصادية وأسعار النفط. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يستمر الانكماش في البلدين خلال عام 2016، ولكن ليس بنفس السرعة. من غير المتوقع دخول أي من الاقتصادات الكبرى الأخرى حالة ركود في العام الجديد. يتوقع صندوق النقد أن تنجح الهند في تجاوز الصين مرة أخرى، بنمو يبلغ %7.5 بينما تحقق المكسيك %2.8 ونيجيريا %4.3 بينما تحقق جنوب إفريقيا نموا في الناتج بنسبة %1.3.
يقول ستيفن كينج، كبير المستشارين الاقتصاديين لبنك أتش أس بي سي في لندن إن الحالة المقبولة للاقتصاد من هذه النقطة أمر جيد للمضي قدما. ويضيف قائلا إن النمو القوي الذي شهده العالم ما بين 1950 إلى 2000 كان حالة شاذة، والاقتصاد العالمي يعود للوتيرة الأبطأ التي كان عليها في الـ150 عاما السابقة. بعبارة أخرى المشكلة ليست في استخدام التحفيز المناسب هنا وهناك، المشكلة أعمق بكثير.