قال فضيلة الشيخ الدكتور محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب: أيها الناس اتقوا ربكم «إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير».
وأضاف: ثمة كائن في هذه الحياة الدنيا ومخلوق في هذا الوجود هو رأس الشر ومنبعه، وعين البلاء ومصدره، إذا ذُكر الأعداء فهو رأسهم وإذا ذكر الأشرار فهو سيدهم وإذا ذكرت المصائب والمحن فأم المصائب المصيبة به، وكل الشرور هو مصدرها ومنبعها وفاعلها ومؤسسها، كل شر عند شره هين، وكل بلاء عند بلائه لين، إنه إبليس اللعين، الشيطان الرجيم عدو الله ورسله عدو البشرية، وإبليس اسم مشتق من الإبلاس وهو الحزن الناشئ من شدة اليأس، خلقه الله من نار السعير، كان مقربا في الجنة وكان من الجن قال الله تعالى «كان من الجن ففسق عن أمر ربه» فاغتر بنفسه واستكبر ورأى نفسه رفيعا.
وتابع: فلما خلق الله آدم وسوّاه أمر الملائكة بالسجود له سجود تحية لا عبادة، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس الذي رأى أنه أكبر من أن يسجد لمن خُلق من طين لازب، فامتنع واستعلى وعصى ربه» وقال «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» وقال أيضا «لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون» فطرده الله من الجنة وأهبط منها، قال الله تعالى: «أخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين» وقال له «فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين» فطلب من ربه تعالى أن يؤخره ويمد في أجله وعمره إلى يوم القيامة ليعمل على الانتقام من آدم عليه السلام بالسعي وبذل الجهد في إضلال وإغواء ذريته «قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم» وهنا تحدى ربه بإغواء العباد وإضلالهم وقيادتهم إلى نار الجحيم «قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين» وقال «رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين».
وأوضح أن الله أعطاه وإخوانه الجن خاصية التخفي، فهو وأعوانه من الجن يرون الناس من البشر والناس لا يرونه، قال الله تعالى «إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم» وأخبر الله تعالى بأن إبليس له خطوات وطرق ومسالك يؤمر بها ويدعو إليها، وأدوات يستعملها ووسوسة وكيد ونزعات ووعد وأمر ونهي وتخبط وزلات يتسبب بإنزال العباد فيها، وإنه يزين السوء ويدعو إليه، ويأمر بالفحشاء والمنكر ويصد عن سبيل الله وعن الصلاة، كما يدعو إلى التعري وكشف العورات وإبداء السوءات «يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما».
ونوه بأن الله ذكره في القرآن في ست وخمسين آية محذرا منه ومبينا خطورته ونزغاته وهي طرقه ومسالكه وما يأمر به وأدواته التي يستعملها ووساوسه وكيده وكل ما يستخدمه للإغواء، قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر» وقال تعالى «ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين» وبين الخطورة العظمى لمن تتبع خطوات الشيطان بأنه يؤدي إلى عبادته من دون الله تعالى، يقول الله تعالى «ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم» وأنه يجري من ابن آدم كما يجري الدم في العروق.
وذكر المريخي أن سبيل الشيطان مظلم واتباعه خسارة دنيوية وأخروية وأتباعه عميان لا يبصرون الحق ولا الاستقامة ولا يعرفون سبيل المؤمنين «لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها» وسوف يرهقهم الشيطان ويتبعهم بالشهوات والمحرمات وسوف يعميهم عن الحق ويصدهم عن سبيل الله، وسوف يلقي بهم في الحرام والكفر والضلال وسخط الله وغضبه «كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين» وسوف يأتي يوم القيامة ويتبرأ منهم على رؤوس الأشهاد في ساعة لات حين مندم، قال الله تعالى «وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم».
ونوه بأن هذه هي أخبار الشيطان وحقيقته ووضعه في الشريعة الغراء وها هي أخباره في كتاب الله وسنة رسول الله وهذه تحذيرات الله تعالى منه وهذا هو حاله استكبار واستعلاء وإصرار وتأكيد على العمل لإغواء الناس، فهل إلى خروج من سبيل، فهل نعي نصح ربنا ورسولنا ونعض على شريعة ربنا لينقذنا من عدونا الرجيم.
وقال المريخي: إذا علمتم أحوال الشيطان وحقيقة أمره في ديننا الإسلامي فماذا فعل الشيطان يا أهل هذا الزمان؟ وماذا تفعل الشياطين بالدين وأتباع الصراط المستقيم من المسلمين؟ لقد زخرف الشيطان للناس دنياهم وعمل على صرفهم عن آخرتهم وغيب عنهم دينهم، إن مما فعله الشيطان بالناس اليوم إقناعهم بتأخير دين الله وتقديم الدنيا عليه، والسخرية بالدين أو بأهله والرضا بالميوعة واللهو والغفلة واعتبار دين الله أمرا ثانويا «وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين» ينكرون ما أحله الله ويغضون عما حرمه الله، ينكرون ما عُلم وعرف باليقين من الدين، ويسكتون عما عُلم تحريمه ومنعه من المنكرات.