يؤدي المعلمون دورا أساسيا ومحوريا في رسم مستقبل الملايين من الطلاب حول العالم، من خلال تنشئتهم وتوجيههم، والمساهمة في دفع عجلة التطور والتقدم في مجالات التعليم المتنوعة. ويحتفل العالم باليوم العالمي للمعلمين في الخامس من أكتوبر من كل عام، إحياء لذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المعلمين، والتي تحدد مؤشرات مرجعية لحقوق المعلمين ومسؤولياتهم، ومعايير إعدادهم وتدريبهم المستمر، واستثمار قدراتهم لخدمة قضايا التعليم.
وفي هذا العام، ومع تنامي التحديات التعليمية عالميا، وفي ظل المتغيرات التي تطرأ على قطاع التعليم، تبرز دعوات واسعة بـضرورة الإنصات لصوت المعلم، ليس فقط تقديرا لدوره، بل إشراكا له في صناعة القرار التعليمي ورسم مستقبل الأجيال.
ومن هذا المنطلق، ظلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" تدعو إلى إيلاء المعلمين مكانة أساسية لمواكبة المتغيرات المستحدثة، فهم الفاعل الأول في مستقبل العملية التربوية والتعليمية، الذي يمنح مجتمع التعليم بيئة نابضة بالحياة وينسجون روابط إنسانية لا يمكن محاكاتها، مثلما أن المعلمين هم من يعملون على تنمية مهارات التفكير النقدي والأخلاقي والذكاء الذاتي والشعور بالانتماء الاجتماعي.
ويركز اليوم العالمي للمعلمين هذا العام، على ضرورة مجابهة التحديات التي يواجهها المعلمون والمنشغلون بالتربية والتعليم، وتعزيز حوار أكثر شمولية بشأن دورهم في التعليم، ويتمحور موضوع هذا العام حول "تقدير أصوات المعلمين: نحو إبرام عقد اجتماعي جديد للتعليم"، مما يبرز أهمية الإنصات إلى المعلمين ومعالجة التحديات التي تجابههم، وتقدير جهودهم ومعارفهم وما يقدمونه من خبرات ومعارف وتوظيفها والاستفادة منها في مجالات التعليم المختلفة.
وتشير تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" إلى أن المعلم هو الأقدر على تقييم واقعية السياسات التربوية، وتقديم حلول عملية وعلمية من واقع الممارسة الصفية الدراسية من داخل حجر الدروس.
وفي ذات الاتجاه، تدعو المنظمات الدولية المعنية بالعملية التعليمية، بضرورة تمثيل المعلمين في لجان صنع القرار داخل وزارات التربية والتعليم، وإشراكهم في وضع المناهج وتطوير خطط الطوارئ التعليمية، وتعزيز الحوار الاجتماعي بين الحكومات ونقابات المعلمين، وتأمين ظروف العمل، والحماية الجسدية والنفسية، خصوصا في مناطق النزاع، إلى جانب تمويل برامج تدريب المعلمين على المهارات الرقمية والتعليم في وقت الأزمات.
وكانت منظمة "اليونسكو" قد أطلقت هذا العام حملة بعنوان "المعلمون في قلب التحول التربوي"، وشددت على أن أي إصلاح تعليمي بدون إشراك المعلمين محكوم عليه بالفشل، ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة الطفولة "يونيسف"، فإن إشراك المعلمين في جهود إعادة بناء التعليم في مناطق النزاع والنزوح ضروري للغاية، ودعت المنظمة في بيان لها صدر في شهر سبتمبر الماضي، للتأكيد على حقوق المعلمين الأساسية في الأمان والتدريب والدعم النفسي.
وحول تقييم تجربة الاهتمام بأوضاع المعلمين في منطقتنا العربية، أوضح الأستاذ حسين اليافعي الخبير والمستشار التربوي في وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن المنطقة العربية شهدت تحسنا تدريجيا في حقوق المعلمين، خاصة فيما يتعلق بالرواتب والمزايا الوظيفية الأساسية، لكن التحدي يبقى في التفاوت بين الدول وفي تطوير بيئة العمل، حيث تعتبر أوضاع المعلمين في دولة قطر ممتازة، وتولي الدولة اهتماما كبيرا بجذب الكفاءات ذوي الخبرة وتوفر لهم التدريب اللازم مع الراتب الجيد قياسا مع غيرها من الدول.
وأوضح أن معايير إعداد وتدريب المعلمين مازالت بحاجة إلى تحديث مستمر لمواكبة الجوانب التكنولوجية والمعرفية في مجتمع التعليم مع ضرورة الابتعاد عن النمطية في التدريب، وتنويع وسائل وأساليب التعليم والتطوير المهني. حيث من المفترض أن تركز برامج ما قبل الخدمة على دمج الجانب النظري مع الجانب العملي الذي سيمارسه المعلم داخل الصف الدراسي، وأن يكون التدريب أثناء الخدمة مستمرا ومخصصا ومرتبطا باحتياجات المعلم الحقيقية.
وحول التوظيف، بين أهمية التركيز على اختيار المعلمين ذوي الكفاءة والشغف بالمهنة، مع تمكينهم ليكونوا قادة للتغيير، يساهمون في تطوير العملية التعليمية وخدمة قضايا التعليم الوطنية.
واعتبر حسين اليافعي أن صوت المعلم لايزال غير مسموع بالشكل المطلوب في عملية صنع القرار التربوي على مستوى الدول العربية والمستوى العالمي، رغم عظمة مهنته، وأضاف أنه ينظر للمعلم أحيانا كمنفذ لا كمشارك في صياغة السياسات.
ولتحقيق موضوع اليوم العالمي للمعلمين 2025 بتقدير أصوات المعلمين والإنصات إليهم، قال: يجب إيجاد قنوات رسمية وفعالة لإشراك المعلمين كشركاء أساسيين في تطوير المناهج والبيئات التعليمية والسياسات، لأن تقدير أصواتهم يعني الاستفادة من خبراتهم الميدانية وتوظيفها بشكل أكثر فاعلية وعدالة.
كما نوه بأنه يجب على المعلمين أن يتجاوزوا دور الملقن إلى دور المربي والملهم وصانع القادة، فإن واجباتهم تتضمن: غرس القيم والهوية الوطنية، وتطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات لدى الطلاب، والتحديث المستمر لمعارفهم وأساليبهم، والمساهمة الفعالة في البحث التربوي، ليكونوا قدوة لطلابهم ومجتمعهم في الالتزام والانتماء لمهنتهم ورسالتهم النبيلة.
واختتم الأستاذ حسين اليافعي الخبير والمستشار التربوي، تصريحه لـ"قنا" بالقول إن من أبرز التحديات التي تواجه المعلمين بشكل عام: الضغط الإداري المتمثل في كثرة المهام الإدارية التي تكون على حساب المهمة الرئيسية وهي تعليم الطالب، إضافة إلى التحديات المرتبطة بفجوة التكنولوجيا والمهارات الرقمية في عصر التحول المعرفي، كما أن هناك تحديا آخر يتمثل في غياب الحوافز الكافية للابتكار والتطور المهني سواء عبر التحفيز المادي أو المعنوي.
وفي يومهم العالمي، لا يكفي الثناء على المعلمين بالكلمات فحسب، بل لا بد من الإنصات إليهم، فالمعلم ليس منفذا للسياسات فقط، بل هو حجر الزاوية الذي يعيد بناء المجتمعات وصياغتها، خاصة حينما تتعرض لوطأة الأزمات، فصوت المعلم ليس رفاهية، بل ضرورة لإنقاذ التعليم واستدامته.