الكاتب فيصل الأنصاري لـ العرب: الرواية القطرية نضجت.. وقادرة على المنافسة عربياً

alarab
المزيد 05 أغسطس 2025 , 01:22ص
محمد عابد

ترشيح روايتي «حيث يراقبها الهلال» للقائمة الطويلة في جائزة كتارا فخر وتقدير
«نيران توبقال» ثمرة جهد سنة.. وتستحق التكريم
الكتابة لليافعين فن خاص يحفز الخيال ويغرس القيم
الجوائز الأدبية تلعب دورًا محوريًا في دعم الحركة الثقافية
الرواية لا تنتمي إلى الأدب إذا لم تحمل رسالة

 

أكد الكاتب الروائي المهندس فيصل الأنصاري أن تجربة الكتاب القطريين تزداد نضجًا، وأن الأسماء القطرية مبدعة وعلى قدر المنافسة مع الأقلام العربية، مشيرا إلى أن الكاتب القطري يتمتع بوضع متميز ولديه دعم من وزارة الثقافة وإمكانيات جيدة مساندة، مما يضعه في وضع أفضل نسبيًا مقارنة بغيره من الكتاب العرب.
وقال الأنصاري في حوار خاص لـ «العرب» بمناسبة اختيار روايته «حيث يراقبها الهلال» ضمن القائمة الطويلة لجائزة كتارا للرواية العربية فئة الرواية التاريخية، إن هذا الاختيار يمثل مشاعر فرحة واعتزاز، مشيرًا إلى أن المنافسة في مسابقة مثل كتارا للرواية العربية تتطلب الاستعداد الدائم لجميع الاحتمالات.
وتطرق الأنصاري إلى تطور الرواية القطرية، معتبرًا أن الكتاب القطريين يتمتعون بمستوى مبشر، موضحا أن رحلته مع الرواية بدأت بالصدفة، وأن انجذابه للرواية التاريخية ينبع من عمقها وإسقاطاتها وجماليات العصور السابقة. 
وبيّن أن الجوائز الأدبية تلعب دورًا محوريًا في دعم الحركة الثقافية وتخلق حافزًا للتنافس، وتوفر معيارية حقيقية لجودة العمل الروائي.
كما تناول في الحوار عددا من أعماله أهمها: روايته «نيران توبقال» الفائزة بجائزة أفضل كتاب في معرض الدوحة مايو الماضي، مؤكدًا أنها كانت ثمرة جهد ذهني استغرق عامًا كاملًا في التحضير والكتابة.
وإلى التفاصيل:

مبارك مجددا دخول روايتك «حيث يراقبها الهلال» ضمن القائمة الطويلة لجائزة كتارا للرواية فئة الرواية التاريخية.. كيف استقبلت هذا الاختيار وهل كنت تتوقع هذا الترشيح؟
‎الحقيقة مشاعري في استقبال هذا الخبر جمعت بين الفرحة والاعتزاز وقد ابتهج قلمي المتعب وجاءه نصيب من المكافأة المعنوية، وبخصوص التوقع فأنا لا أكون مستبعدا أو متوقعا ورود اسمي في هذه القوائم، والحقيقة أن المشاركة في جائزة كتارا للرواية يفرض عليك أن تكون مستعدا دائما، لوجود منافسة كبيرة؛ فهناك لجنة لها ذوقها الخاص، يقابلها جهد تقوم به ويفترض أن تبذل قصارى جهدك فربما كان جهدي قد أصابه بعض التوفيق فيذكر اسمي في القائمة وربما قُدمت أعمال تفوق عملي الأدبي فتسبق إلى هذه القوائم ولذا أدخل المسابقة مستعدا لجميع الاحتمالات.

رحلتي مع الرواية
كيف بدأت رحلتك مع الرواية؟ وهل كنت تفكر منذ البداية في دخول هذا العالم من بابه التاريخي؟
كانت حياتي بعيدة عن عالم الرواية وذكرت في مناسبات سابقة أنني دخلت هذا العالم بالصدفة، أما كتابة الرواية التاريخية فقد طرقت هذا الباب سابقا في بعض الروايات مثل رواية «مجرد ريشة» ورواية «نيران توبقال»، وأستحسن الرواية التاريخية لأن فيها كثيرا من العمق وكثيرا من الإسقاطات التاريخية بالإضافة إلى جمالية ما دار في العصور السابقة، فالكتابة في التاريخ جميلة وملهمة جدا.‏

من أهم الكتّاب الذين أثروا فيك في البدايات؟ ومن تتأثر به اليوم؟ 
ليست قراءاتي كلها في فن الرواية، أقرأ في مواضيع مختلفة، ولكن إذا قصدت من تأثرت بهم في الرواية فهم كثيرون وهناك تفاوت في التأثير، ولكن أعتقد أن غسان كنفاني وأمير تاج السر استفدت منهما وتأثرت بهما أكثر من غيرهما. 

روايتك التاريخية «حيث يراقبها الهلال» نود التعرف عليها وتفاصيل الفترة الزمنية التي تتناولها؟
الرواية تركز على فترة زمنية مدتها الـ 150 سنة الأخيرة في عمر ساحل الخليج العربي من الجانبين الشرقي والغربي حيث كانت تتركز فيه القبائل العربية، وأُعرج على واقع الدولة الفارسية كيف توالى عليها حكام القاجار وكيف أصبح فيها التغيير السياسي الكبير وكيف مرت المنطقة كلها بتغيير سياسي وتغيير اقتصادي وتغيير اجتماعي فهي تتكلم عن الإنسان والمعيشة والسياسة والاقتصاد ففيها جزء تاريخي توثيقي للمنطقة، وجزء حول ما يدور في مخيلة الكاتب من قصص موازية تدور أحداثها في واقع متخيل.
    
الدقة والخيال
 وكيف تتعامل مع التوثيق في الرواية التاريخية؟ ما بين الحرص على الدقة وضرورة الخيال؟
من يقرأ الرواية سيلاحظ أنها مليئة بالهوامش، وتحتوي تقريبا على 100 معلومة موثقة مثل أسماء السلاطين أسماء المدن الحقب التاريخية حوادث بعينها معارك مواقع مباني تعريف بعض الحوادث الدولية التي شاهدها العالم آنذاك، كما يندرج فيها بسلاسة قصة لا تتناقض مع الواقع المحيط، دون أن يستنكر القارئ أي حدث، وهناك سرد واقعي لا يفقد هذا الخيال واقعيته ومصداقيته وإمكانية حدوثه وقتئذ، ويصل الكاتب مع القارئ إلى حالة تركز على الرسالة.

«رواية «نيران توبقال» فازت هذا العام بجائزة أفضل كتاب في معرض الدوحة.. برأيك، ما الذي جعلها تحظى بهذا التقدير؟ 
رواية نيران توبقال من أكثر الروايات التي أخذت مني جهدا ذهنيا، بدءا من الإعداد لها وبناء الأفكار وبناء الحبكة، فقد استغرقت سنة كاملة، وآملت أن تفوز في مناسبات عديدة، وسبحان الله جاء الوقت في معرض الكتاب لتنال حظها من التكريم، وسعدت بهذا الإنجاز، ولذا لها مكانة خاصة.

هل تشعر أن الجوائز غيّرتك ككاتب؟ من حيث الحافز أو التوقعات أو حتى التحدي القادم؟
الجوائز الأدبية لها دور كبير في دعم الحركة الثقافية بمعاييرها الفنية الحقيقية الصحيحة؛ فهي تخلق نقطة وصول إلى هدف، كما تخلق تحديا وتجعل روحا للمنافسة والمكافأة ليصل الكاتب بعد جهد إلى نقطة يرضى عنها ويكافئ فيها قلمه، من ناحية أخرى فإن الجوائز خاصة المرموقة تخلق معيارية حقيقية للأفضلية في كتابة الرواية، فنحن أمام سوق للأسف يعترف أو يحكّم معيار العدد ويحكّم الكثرة مع العلم أن الكثرة ليست دائما صحيحة بل هناك معايير أهم مثل الإجادة والرسالة في العمل الفني والالتزام بالثقافة والآداب والقيم، وزيادة الوعي، هذه المعايير تلتزم فيها الجوائز ولذلك الجوائز هي المعيارية الحقيقية للتفاضل بين الكتاب.
جائزة كتارا لفئة اليافعين كانت نقطة مهمة في مسيرتك.. ما الفرق بين الكتابة لليافعين والكتابة التاريخية كما عشتها؟
لا شك أن جائزة كتارا كانت من أهم المحطات في حياتي ككاتب ولا شك أيضا أن الكتابة لليافعين لها خصوصيتها، أولا من حيث الكم يجب ألا تزيد على مقدار معين لأن إقبال اليافع على القراءة ليس كالبالغ وكذلك اختيار الموضوع يجب أن يكون فيه جزء من الخيال المعتبر، واختيار المفردات والحبكة طريقة السرد وتقنيات الكتابة نفسها يجب أن تكون مناسبة لخيال وعقلية اليافع، مع ضرورة أن تناسب الرسالة البناء القيمي الذي يعيشه اليافع، ولذا كتابة اليافعين لها خصوصيتها وهي من أجمل الروايات التي يكتب فيها الكاتب. 

فاس المغربية
والآن نود أن نقترب من رواية «نيران توبقال» ونقف على عتبة الاسم ومدلوله؟ والرواية تنقل القارئ إلى أجواء مختلفة جغرافيًا وتاريخيًا.. ما الذي ألهمك لاختيار هذا المكان فاس المغربية وتلك الحبكة؟
كنت في روايات سابقة تكلمت عن منطقة الخليج وتكلمت عن منطقة الشام وعرجت على مصر، والحقيقة أنا لم أتخذ قرارا في تلك الرواية أن أكتب عن المغرب ولكن ابن أبي محلي كان له تأثيره في أن أكتب عن المغرب ولا شك أن المغرب دولة عظيمة جميلة مليئة بالأحداث والكتابة عنها كتابة شيقة جدا، ولكن شخصية ابن أبي محلي كانت شخصية مثيرة للاهتمام شخصية مرت بتناقضات عجيبة غريبة، طلب العلم ثم انتشار في المغرب ثم الاعتكاف على التصوف ثم الاشتغال بالسياسة ثم الخروج على السلطة واحتلال مدينة عريقة مثل مراكش ثم ادعاء النبوة والخوض في أمور كثيرة منافية للعقيدة الصحيحة، شخصية مثيرة للدهشة مثيرة للاهتمام، أما عن مدلول الجغرافيا فهناك بعد غير تقليدي في الرواية ومن يقرأ الرواية يجد فيها بعدا غير تقليدي له علاقة بالشعوذة جعل الحديث عن توبقال مدلولا له مبرره، مدلولا له بعده التاريخي، يحتوي على خصائص معينة.

هل تعتبر نفسك روائيًا «تجريبيًا» في اختيار الموضوعات؟ أم أن هناك خيطًا خفيًا يجمع أعمالك كلها؟
 لا أعتبر نفسي روائيا محترفا، بل ما زلت مبتدئا وأمامي الكثير لأتعلمه في هذا الميدان الكبير، أما فيما يخص كتابة رواياتي جميعها فإن كان هناك ما يربطها فإنها الرسالة هي حجر الزاوية في كل الروايات التي أكتبها، أي رواية أكتبها يجب أن يكون لها رسالة قيمية وأخلاقية وفيها عمق أفكار وتصحيح أفكار لدى المجتمع، فالرواية لن تكون أدبا بدون رسالة حقيقية.
    
بعد الرواية التاريخية هل تفكر في العودة إلى الرواية لليافعين؟ وكيف تجد تفاعل أصحاب هذه المرحلة العمرية مع الأعمال الأدبية؟ 
اتخذت سابقا قرار العودة إلى كتابة رواية اليافعي عن طريق رواية اسمها 20 قطعة ذهبية، ولله الحمد كانت آثارها إيجابية جدا وكان تفاعل هذه الفئة معها كبيرا جدا، وبإذن الله سيكون لدي دائما إنتاج أدبي خاص باليافعين.    
            
كيف ترى تطور الرواية القطرية اليوم؟ وهل تعتقد أنها تحظى بالاهتمام النقدي العربي الكافي؟
الرواية القطرية في تطور دائم؛ فتجارب الكتاب القطريين تزداد نضجا، وهناك أقلام قطرية مبدعة وعلى قدر المنافسة مع الكتاب العرب، فكل ما في الأمر أن المجتمع القطري رقعته الديموغرافية محدودة وهناك تناسب في الإبداع. 
 أما بالنسبة للنقد العربي فأعتقد أن الكاتب القطري يجب عليه التحرك أكثر خارج حدوده الإقليمية ليتداخل في كتاباته مع الحالة العربية، ليستدعي النقد العربي تجاهه، فأعتقد أن الكتّاب القطريين بخير ومستواهم مبشر وما زال أمامنا بعض المسافات نقطعها باتجاه الحالة العربية.

هل ثمة تحديات تواجه الكاتب القطري من وجهة نظرك؟ سواء في النشر أو التوزيع أو التفاعل الجماهيري؟
الكاتب القطري في وضع أفضل نسبيا من غيره، فهو لديه وضع مريح، مع دعم وزارة الثقافة ومساندتها له، لكن بشكل عام صناعة الكتاب في الوطن العربي يعتريها تحديات كثيرة في إصدار الكتاب بعضها أدبي والآخر مادي وبعضها يصطدم بالوسائل الحديثة الأكثر تأثيرا والتي تشغل الناشئة والشباب، فصناعة الكتاب تمر بظروف ليست جيدة ولكن يظل الكاتب القطري لديه فرصة نسبية أفضل من غيره.

التحضير للدكتوراه
وهل تعمل حاليًا على رواية جديدة؟ 
منذ عامين بدأت في التحضير لرسالة الدكتوراه ومنذ ذلك الوقت تقريبا لم أكتب شيئا أتمنى أن أنهي ما بدأته في الدكتوراه سريعا بإذن الله وأعود إلى كتابة الروايات قريبا.

هل تفكر في ترجمة أعمالك إلى لغات أخرى؟ أو تحويلها إلى وسائط أخرى؟
ترجمة الأعمال إلى لغات أخرى شيء جميل جدا ويتمناه أي كاتب فهو يعطي أدوات أكثر تأثيرا في الانتشار ويوصل الفكرة إلى آفاق جديدة ولكن لا شك يجب على الرواية أولا أن تحدث تأثيرا عميقا في محيطها وتحدث حالة من القناعة لتكون ترجمتها أمرا واقعيا، ومن ثم ينتقل تأثيرها إلى المسافات البعيدة. 

رسالة إلى الشباب

حول الرسالة التي يود إيصالها عبر رواياته، خاصة لجمهوره من الشباب والقراء بشكل عام، قال الكاتب فيصل الأنصاري:
بقدر ما يعطيك الله سبحانه وتعالى من أدوات التأثير ومن القدرة على التعبير ومن مواهب الصياغة واستخدام اللغة، بقدر الأمانة التي تكون على عاتقك في إيصال الأفكار الإيجابية والنافعة للناس، ولا أدعي أن لدي ما يسعد الناس ولكني أحاول توصيل ما استقر في قلبي من قناعة في القيم والأخلاق والسلوكيات التي تنفع المجتمع، وأجتهد في ذلك قدر استطاعتي.