قطع متجاورات

alarab
الصفحات المتخصصة 04 ديسمبر 2015 , 07:14ص
مختار محمد مختار
{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ}، هذه الآية التي تنبهنا لتنوع ألوان الثمرات حولنا، رغم أن الماء الذي يصلها واحد، وأن التفاضل واقع بين هذه الثمرات من حيث طعمها وفائدتها ونفعها.

وهذا الماء هو العبادة، فالماء سبب الحياة، والعبادة أصل الوجود وغايتها، وأعم مفاهيمه، يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، والعبادة في هذا السياق غاية عامة من الخلق جميعا، تعم الخلق والأمر، فالكون كله يعبد الله تعالى اضطرارا، وقد منح الله تعالى الإنسان الخيار، فمن عبده اختيارا حقق المراد من خلقه، وأناله الله تعالى الثواب بفضله.

وعليه، فإن الماء واحد، يجري في قطع مختلفة من الأرض، أما بذور ما تنبته هذه الأرض، فالأرض قابليات الإنسان وممكناته، والبذور مكتسباته باختياره، فيما يبقى تقليبه لهذه التربة وإبعاده عناصر الخبث عنها، هو ما يسمح للبذور الطيبة بأن تنبت وتتنوع عطاءاتها.

وترتكز فحوى العبادة على أمرين: الذل والمحبة لله تعالى، فالذل تسليم الإرادة لما يرد عن الله تعالى، والمحبة لله تعالى تعني تلقي ما يرد عنه من دون اعتراض أو بغض، وفائدة الأمرين معا أنه من دون ذل يصنع الإنسان من ذاته ندا لله تعالى، وإن لم يشعر، وبدون حب، فإنه يكره من أمر بالأمر، وهذه الكراهية تساوي دمار التصور عن الله تعالى، وفساد الاعتقاد فيه، فالكره فكرة في هذه الحالة تساوي نقص الله تعالى عن ذلك.

يتجلى عموم مفهوم العبادة في أنها تسع كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وبهذا فهي من الأعمال التي لا تكاد تستثني عملا أو قولا أو فعلا في حياة الإنسان.

تصل العبادة لغاياتها عبر الاستناد على الإخلاص باطنا، وهو ما يضمن اتجاه العبادة لله تعالى وحده لا لغيره، بينما يتضح طريقها ظاهرا بالاتباع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا تصل العبادة لغاياتها، ويبقى هناك جانب غيبي أكثر غموضا، وهو القبول، فقد تعوق هذا القبول معاصٍ وذنوب وأمور متعددة متنوعة.

يبقى التفاعل بين ماء العبادة إن صفا من ما يكدره، والبذور أو المكتسبات من البيئة المحيطة، والتربة الإنسانية بما وهبها الله تعالى فطرة، يظهر في معارفه وتطبيقها على الواقع، وإثراء الوسط المحيط.
وعلى هذا، يتأكد لنا تعدد خيارات الإنسان في تعبده لله تعالى ووصوله لمرضاته، ويتضح كذلك تنوع وسائل نفعه لمن حوله، كما أنه ينبغي أن يتكامل مع المحيط به، ويفيد منه ويفيده، ويعرف ما يمكن أن يضره، ويدرك مساحات الاختلاف وأنه ليس بالضرورة باباً للخلاف.