أصحاب سيارات: شركات تأمين تستنزف أموالنا
تحقيقات
04 نوفمبر 2015 , 01:52ص
ولي الدين حسن
تصاعدت في الآونة الأخيرة شكاوى أصحاب السيارات مما أسموه «تحايل» بعض شركات التأمين وتهربها المستمر من الإيفاء بالعقود، وذلك من خلال التعقيدات التي تطرحها أمام أصحاب السيارات المتضررة ومماطلتها في القيام بالإصلاحات المطلوبة حتى في حالات التأمين الشامل، ما يدفع الكثيرين إلى تحمل تكاليف إصلاح السيارات التي يصطدمون بها أو يتسببون في حوادث لها، فضلا عن طول الإجراءات والتعقيدات وسوء خدمات ورش التصليح وتذرع بعض الشركات بحجج واهية للتهرب من إصلاح السيارات أو دفع التعويضات لأصحابها.
وقال عدد من المتضررين في حديثهم لـ«العرب»: بالرغم من تصاعد الشكاوى وتكرارها، إلا أن المسؤولين في شركات التأمين لا يألون جهداً في الدفاع عن أنفسهم، معتبرين أن الاتفاقيات تكون موثقة من خلال عقد ويستطيع العميل مراجعة العقود في أي لحظة، إلى جانب أن الشركات قد تتعرض للخسارة في بعض الأحيان بسبب الحوادث المتكررة للعميل الواحد، فضلاً عن ارتفاع أسعار قطع الغيار وهو ما لا يتناسب مع قيمة التأمين الذي تأخذه الشركة ولا يوازي الخدمات التي تقدمها.
وأكد متحدثون ل«العرب» أن التعامل مع شركات التأمين يحيط به الكثير من الضبابية وعدم الوضوح، مشيرين إلى أن هناك رغبة محمومة من جانب بعض الشركات لاستنزاف أموال أصحاب السيارات بمختلف الطرق والوسائل؛ حيث يجد العميل نفسه مطالبًا بسداد 25 إلى %50 وأحيانا أكثر من تكاليف الإصلاح، الأمر الذي يعد تحايلاً والتفافًا حول القانون حسب قولهم.
وأشاروا إلى أن بعض تلك الشركات تجبر العملاء على الإصلاح لدى كراجات معينة لانخفاض أسعارها بغض النظر عن جودة الخدمة، لافتين إلى أن بعض الشركات تبخس قيمة السيارة بشكل كبير في حالة «كنسلتها» للتهرب من دفع التعويضات المستحقة.
ودعوا لوضع اشتراطات وضوابط واضحة توضح الحقوق والواجبات في وثائق التأمين كما هو مطبق في الدول الأوروبية، لافتين إلى أن وثائق التأمين في الخارج تتضمن أدق التفاصيل في حقوق وواجبات الشركات والعملاء لمنع الاستغلال وحماية حقوق المتعاملين مع تلك الشركات، والحد من تهرب شركة التأمين من التزامها بإصلاح السيارات ودفع التعويضات المستحقة.
وطالبوا بتشديد الرقابة على شركات التأمين، وإنشاء جهة محايدة لفض المنازعات بين شركات التأمين وأصحاب السيارات بعيدًا عن ساحات القضاء، مشيرين إلى أن طول أمد الفصل في القضايا أمام المحاكم يدفع الغالبية العظمى من المتعاملين إلى تقبل التعويضات الزهيدة التي تدفعها لهم شركات التأمين.
قطع الغيار
في البداية قال عبدالله محمد (مهندس بإحدى الشركات العقارية): إنه تعرض في إحدى المرات لحادث سير، وعندما قام بإصلاح السيارة طلبت منه شركة التأمين إحضار القطع التي قام باستبدالها ليقوموا بتقييمها ودفع المبلغ المقرر له، وبعد مماطلات وجولات متعددة من المفاوضات الشاقة دفعت الشركة جزءا من المبلغ بينما قام هو بدفع الباقي، مطالباً الشركات بالوفاء بالتزاماتها واحترام العقود.
وأضاف محمد يجب علي شركات التأمين تحديد آلية عمل تنص من خلالها على إصلاح السيارة في الحالات التي يشتكي منها العملاء مثل الحوادث ضد مجهول، مشيرا أن بعض الحوادث تحدث أثناء وقوف السيارة في المواقف، ومن ثم فإن شركات التأمين تجبرك علي دفع %50 من قيمة الإصلاح والذي غالبا ما يكون مرتفعا جدا بالمقارنة مع الورش الخارجية.
وأوضح محمد أن بعض شركات التأمين تقوم باستبدال قطع الغيار بقطع أصلية في السنة الأولى للسيارة، إذا كانت جديدة طبعاً، وبعد ذلك إذا تعرضت السيارة لحادث فهم غالباً لا يقومون باستبدال قطع الغيار بأخرى أصلية لارتفاع أسعارها إذا ما قورنت بنوع السيارة، وهذا ما يجعله قلقاً من شركات التأمين إضافة إلى أنهم غالباً ما يطلبون العميل بدفع نسبة من قيمة قطع الغيار إذا أرادها أصلية.
وقال محمد في الماضي: تعرضت لحادث نتيجة ضباب كثيف وانعدام للرؤية، فاصطدمت بالسيارة التي كانت تسير أمامي والتي بدورها اصطدمت بالسيارة التي أمامها، وعندما ذهبت إلى شركة التأمين قالوا لي: إن التأمين لا يتضمن أحوال الطقس، باعتبار أنه من النادر أن تمر المنطقة بمثل تلك الحوادث، لكن في بعض الأحيان تقوم بعض شركات التأمين بالتصليح لعملائها.
ويضيف محمد على الرغم من أن أسعار التأمين واضحة ولا لبس فيها إلا أن العميل يفاجأ عندما يذهب لتجديد وثيقة التأمين بقيام موظفي الشركة بإضافة مبالغ أخرى تحت مسميات مختلفة للمبلغ الأساسي المطلوب دفعه وتختلف قيمة هذه المبالغ من شركة إلى أخرى وبخلاف ذلك فإن العميل عندما تتعرض سيارته لحادث يجد نفسه مطالبًا بالمساهمة في تكاليف الإصلاح حتى ولو لم يكن الخطأ من جانبه على الرغم من أن وثيقة تأمين سيارته هي تأمين شامل ويجد العميل نفسه مطالبًا بسداد 25 أو %50 من تكاليف الإصلاح الأمر الذي يعد تحايلاً والتفافًا حول القانون من جانب تلك الشركات.
ويشير محمد إلى مشكلة أخرى تواجهه عندما يذهب لتجديد وثيقة تأمين سيارته حيث يقول: هناك فئة من الأشخاص احترفوا التوسط بين العملاء وشركات التأمين وهذه الفئة من الوسطاء تتقاضى مبالغ مالية متفاوتة من كل شخص يرغب في تجديد وثيقة التأمين بدعوى أنهم سوف ينجزون المعاملات بشكل أسرع.
أقساط التأمين
ومن جهته أوضح خالد الهديب: أن ضعف الرقابة وغياب الضوابط الواضحة للالتزامات يسمحان بزيادة مخالفات شركات التأمين وتلاعبها في الأسعار، والمبالغة الشديدة في أسعار أقساط التأمين الشامل والتفاوت الواضح في هذا الشأن من شركة إلى أخرى ما يعني أن القضية لا تحكمها قواعد محددة وإنما مجرد اجتهاد بين الشركات.
وتابع الهديب: العميل يدخل في صراع مع شركة التأمين عندما تتعرض سيارته لحادث ويتم كنسلتها حيث يتعين عليه أن يكون مستعدًا للدخول في سجال شديد مع الشركة للحصول على التعويض الذي يقل في الغالب بنسبة كبيرة عن السعر الحقيقي للسيارة في السوق وهو ما حدث معي بالفعل؛ حيث تعرضت ذات مرة سيارة خاصة بي لحادث، وأكد المختصون بالشركة أنه يجب إلغائها لأن تكلفة إصلاحها سوف تكون باهظة وعندما سألت عن قيمة التعويض وجدت أنه يقل كثيرًا عن السعر الحقيقي للسيارة في السوق.
وقال الهديب: ومن الأشياء الغريبة الأخرى في هذا الشأن على وجه الخصوص أن الشركة قد تزعم أنه سوف يتم إلغاء السيارة ولا تفعل ذلك، بل تقوم بإعادة تصليحها مرة أخرى وبيعها لكي تربح من الجانبين، من خلال خفض قيمة التعويض من ناحية ومن بيع السيارة من ناحية أخرى.
وأضاف الهديب: لا تقتصر جهود شركات التأمين في تحقيق الأرباح على ذلك فقط، بل إنها تقوم بإجبار أصحاب السيارات على الإصلاح لدى كراجات معينة تقدم لها أسعارًا مخفضة بغض النظر عن جودة الخدمة الذي يكون في الكثير من الأحيان دون المستوى وهو ما قد يوقع صاحب السيارة فيما بعد في مشاكل عديدة نتيجة لقيام الكراج بتركيب قطع غيار تجارية أو استخدام مواد طلاء أقل جودة.
وأكد الهديب أن هناك رغبة محمومة من جانب بعض شركات التأمين في استنزاف أموال المواطنين والمقيمين من أصحاب السيارات بمختلف الطرق والوسائل، وهو ما يستدعي ضرورة وجود جهة محايدة للفصل في النزاعات التي تحدث بين شركات التأمين والعملاء ولا يجب على الإطلاق أن يتم ترك أصحاب السيارات فريسة لبعض شركات التأمين التي لا يعنيها شيء سوى تحقيق الربح إلى أقصى درجة ممكنة.
ويتساءل الهديب لماذا تلزم الشركة العميل بالمساهمة في تكاليف الإصلاح رغم أنها تتقاضى منه قسطاً باهظاً في كل عام، وإذا كانت الشركة ترى أن قيمة هذا القسط لا تحقق لها العائد الاقتصادي المناسب الذي تريده فلماذا لا تقوم برفعه لكي تكون الأمور واضحة ويكون كلا الطرفين على بيّنة بحقوقه وواجباته بدلاً من هذا الالتفاف والتحايل الذي تلجأ إليه بعض تلك الشركات؟.
قضايا ومخالفات
وفي سياق متصل قال المحامي محمد السبيعي: هناك عدم وضوح من جانب شركات التأمين من ناحية ونقص في المعلومات لدى المتعاملين معها من ناحية أخرى وأحيانًا يلجأ بعضها إلى توقيع اتفاقيات ربما تكون مخالفة أو تتعارض مع القوانين المعمول بها داخل الدولة.
وأشار السبيعي إلى أن القوانين تنص على إصلاح السيارة لدى وكيلها الأصلي، ولا يوجد فيه نص يعطي الشركة الحق في إرسالها إلى أحد الكراجات متوسطة المستوى توفيرًا للنفقات وهو الأمر الذي يعرض العميل لخسائر كبيرة نتيجة لقيام هذا الكراج بتركيب قطع غيار ربما تكون غير أصلية أو أن تكون عملية التصليح ذاتها غير جيدة.
وأضاف السبيعي: نتيجة لذلك فإننا نرى مع الأسف كمّا كبيرا من القضايا متداوَلا في ساحات المحاكم، ما يتطلب ضرورة وضع قواعد محددة تلزم الشركات بعدم اتخاذ قرارات أو عقد اتفاقات تخالف القوانين كما يجب أن تكون هناك وسائل تحمي أصحاب السيارات من تجاوزات بعض شركات التأمين، مؤكدا أن الغالبية من أصحاب السيارات يتغاضون عن تصرفات شركات التأمين وتجاوزها في حقوقهم ويقبلون بما تمنحه لهم من تعويضات أو خدمات بدلًا من الدخول إلى ساحات القضاء التي قد يطول أمد الفصل فيها، كما أن الالتزام واجب على شركات التأمين ولا يجوز لها أن تتحايل وتضع قرارات وشروطا تتيح لها الحصول على حقوقها كاملة على حساب المتعاملين معها ،ومن هذا القبيل ما تفرضه هذه الشركات من رسوم.
وأشار السبيعي إلى أن القضاء هو الجهة التي يمكن أن يلجأ إليها المتعاملون مع شركات التأمين عندما ينشب خلاف معها، لكن البعض قد يفضل عدم اللجوء إلى هذا الطريق بسبب طول إجراءات التقاضي، وربما يكون من الأفضل إيجاد جهة أخرى ولو من إدارة المرور للفصل فيما قد ينشب من خلافات بين شركات التأمين وأصحاب السيارات.
وأكد السبيعي أنه لا يمكن توجيه اللوم لشركات التأمين؛ لأنها تسعى من أجل الربح فهذا حقها لأنها مؤسسات اقتصادية بالأساس وليست جمعيات خيرية، ولكن في نفس الوقت يجب أن تكون هناك عدالة وشفافية وألا تتغول على حقوق العملاء وتلجأ إلى استنزاف أموالهم بتلك الطرق التي لا يمكن وصفها سوى بالاحتيال، كما أن أغلب شركات التأمين عندنا أصبح الهدف المادي لديها متغلبا على أي شيء آخر فأهم شيء لديها هو مقدار ما سوف تحصل عليه من مال، ومع الأسف فإن حجم الرقابة على أداء تلك الشركات ضعيف.
وثائق التأمين
وبدوره قال عمار سالم: إن أعداد عملاء شركات التأمين ازدادت بشكل كبير نتيجة لزيادة أعداد السيارات، وكان من المفترض أن يحدث تنافس بين هذه الشركات من أجل إرضاء العميل إلا أن ما يحدث الآن هو العكس فعلى الرغم من زيادة أعداد العملاء إلا أن مستوى الخدمات التأمينية لا يتوافق مع التطور الكبير الذي تشهده الدولة.
وتابع سالم أن ارتفاع الأسعار بشكل عام في قطر حقيقة لا يختلف عليها أحد، ولكن هذا لا يعني أن تبالغ شركات التأمين في قيمة أقساط التأمين الشامل التي تضعها، وفي الرسوم التي يتفنن بعضهم في وضعها كما يحلو لهم دون مراعاة لإمكانيات العملاء.
وأضاف سالم قد يكون مقبولاً أن تلزم شركة التأمين العميل بالمساهمة في تكاليف إصلاح السيارة إذا كان هو المخطئ رغم أنه من المفترض ما دام تأمينه شاملاً فإنه يجب أن تتحمل الشركة تكاليف الإصلاح بشكل كامل، ولكن كيف تلزم الشركة العميل بسداد نسبة في تكاليف الإصلاح عندما لا يكون هو المخطئ بل الضحية والمتضرر، فضلا عن أن العملاء مع الأسف يثقون في شركات التأمين ولا يقرأ الكثيرون منهم العقود التي يقومون بتوقيعها مع هذه الشركات رغم أنه قد تكون فيها بنود مجحفة، وهذا خطأ من جانب العميل الذي يتعيّن عليه أن يقرأ تلك البنود جيدًا لينظر هل تناسبه أم لا.
عمر السيارة
وفي سياق مختلف قال أحد مسئولي شركات التامين: وفقًا للقوانين المنظمة لعمل شركات التأمين في قطر فإن إصلاح السيارة في العام الأول يكون في الوكالة التابع لها السيارة، وفي العام الثاني تتم عملية الإصلاح في أي وكالة أخرى بديلة، أما بعد العام الثاني فإن عملية الإصلاح تتم في أي كراج آخر على أن يكون لديه حساب في شركة التأمين المعنية حتى يستطيع الحصول على أمواله، ولهذا السبب نجد أن بعض شركات التأمين تطلب من العميل أن يختار كراجًا من بين الكراجات المسجلة لديها، ولكن هذا لا يمنع على الإطلاق من أن يختار العميل أي كراج آخر بخلاف تلك التي لديها حساب لدى شركات التأمين.
وأشار أن هناك ما يسمى بـ»نسبة الهلاك» أي أن السيارة تفقد جزءا من قيمتها كل سنة؛ لذا لا تقوم الشركات بتبديل قطع الغيار بأخرى أصلية، بل بقطع تجارية إضافة إلى كثرة الحوادث، لا سيما تلك المكلفة منها، كما أن ارتفاع الأسعار أدّى إلى ارتفاع نسبة التأمين الشامل، إضافة إلى أن هذا التأمين يتضمّن تصليح سيارتين «المتسبب والمتضرر» .
وأضاف إذا كان العميل هو المتسبب في الحادث فإنه في السنة الأولى يتم تركيب قطع الغيار الأصلية لسيارته دون أن يتحمل أي مبالغ مالية، أما في حال مرور عامين فإنه يتحمل نسبة %20 وفي السنة الثالث يتحمّل نسبة %30 من قيمة قطع الغيار وفي السنة الرابعة يتحمل نسبة %40 أما في السنة الخامسة فما أكثر فإنه يتحمل نسبة %50 وقد تصل النسبة إلى %60 من قيمة قطع الغيار الأصلية، وفي حال تم تركيب قطع غيار مستعملة له فإنه لا يتحمّل أي نسبة من قيمة قطع الغيار.
وأوضح أن العميل يتحمل وفقاً لوثيقة العقد مبلغ 350 ريالاً الأولى من كل حادث عندما يكون سائق المركبة وقت وقوع الحادث أقل من 21 سنة، كما يتحمّل %15 من الأضرار الناشئة عن خدوش المركبة بفعل مجهول، مبيناً أن التعويض يسحب من حق العميل في حال تم إثبات أن عقد التأمين بُني على بيانات كاذبة أو تم إخفاء وقائع جوهرية تؤثر على قبول الشركة تغطية الخطر، أو في حال استعمال المركبة في غير الغرض المبين بدفتر ترخيصها أو قبول الراكب وضع حمولة أكثر من المقرر لها أو استعمالها في السباق أو اختبارات السرعة.
س.ص