أصبح الطلاق في السنوات الأخيرة مادة خصبة للدراما في الخليج والوطن العربي، الأمر الذي أثار ردود الأفعال تجاه الأعمال الدرامية التي تتناول هذه الظاهرة بين من يتهمها بالمساهمة في زيادتها وما بين من يرى أنها تبعث برسالة أمل للمطلقات، في حين يرى ثالث بأن الدراما ليس من دورها تجميل صورة المجتمع ولكونها عملا إبداعيا غير مقيد.
ويُظهر تفاعل المشاهدين مع الدراما مدى تأثر الناس بالمسلسلات التي تدخل البيوت كضيف يومي، وكيف يتأثرون بما يحدث لأبطالها كما لو كان حقيقيًا، ولكن هل يؤدي التعرض المكثف لأفكار معينة إلى تحويلها من أمر مستهجن إلى شيء طبيعي؟ في الوقت الذي ترتفع فيه نسب الطلاق.
والأدهى من ذلك هو أن الطلاق في كل هذه الأعمال الدرامية لا يُصَوَّر على أنه خراب للبيوت وانفصام عروة الأسرة وضياع الأولاد، وهو في الحقيقة كل ذلك؛ بل يُصَوَّر على أنه انتصار للمرأة ونيل لحريتها واستقلال لذاتها؛ ولهذا غالباً ما توجد مشاهد احتفالية بالطلاق مع توجيه عبارات مثل «مبروك عليكي حريتك»، و»ارتحتي الحين» وكأن الزواج كان سجنا حرمن فيه الحرية، وذقن فيه ألوان العذاب.
وتتهم الدراما الخليجية بأنها تقدم المجتمع في صورة غير لائقة أغلب الأحيان، فمن قصص الطلاق والرفاهية المطلقة، والخيانات الزوجية إلى الآفات الاجتماعية وغيرها من الظواهر التي قد تشوّه صورة المجتمع أو لا تنصفه، لكن هل من أدوار الدراما ومهامها نقل صورة المجتمع كما هي؟ وهل من أدوارها أن تطرح القضايا وتوجد لها الحلول؟ أم أن الدراما أعمال إبداعية لا يحدها إلا خيال المخرج والمؤلف.
لكن تبقي الحقيقة رغم اختلاف الآراء أن للفن يدا خفية قادرة علي تحريك الوعي الجمعي والفردي للشعوب نحو خيارات وقرارات مختلفة بوعي منهم أو دون وعي، ومن هنا «العرب» استطلعت بعض الآراء حول ما إذا كانت للدراما الخليجية علاقة بظاهرة الطلاق والتشتت الأسري، أم أنها مجرد اتهامات.
فيصل رشيد: لم أسمع بحالات طلاق بسبب مسلسل
اعتبر الممثل فيصل رشيد أن التهم الموجهة للدراما غريبة، مضيفا: هناك العديد من الأعمال الدرامية التي لا تمت للواقع بصلة والغريبة عن مجتمعنا، فكيف يمكن أن نحكم على عمل دون الاخر بأنه يسيء إلى مجتمعنا أو قيمه أو يحرض على آفة معينة، وهناك بعض الأفكار التي يتضمنها العمل الدرامي وتأتي ضمن السياق الدرامي ولا تمت للواقع بصلة.
وقال فيصل: لم يسبق لي أن سمعت بحالات طلاق بسبب مسلسل خليجي، أو مشاكل أسرية بسبب التأثر بالدراما، وان كان من غير الصواب أن ننفي وجود بعض الأعمال السيئة التي تسيء لمجتمعنا وثقافته، لكن بالمقابل هناك أعمالا هادفة، تحترم عقل المشاهد وعينه.
أما عن تأثير الأعمال في المجتمع، يرى: هناك تأثير كبير لبعض الأعمال على المجتمعات، وهناك أعمال دفعت بسن قوانين وتشريعات جديدة، وهو ما يؤكد أهمية هذه الأعمال، لكن ليس كل عمل مؤثر، وليس كل جمهور قابلا للتأثر، ومن هذا المنطلق تأتي الدعوة إلى القائمين على الدراما لاختيار النصوص بعناية لتلائم الجمهور المحلي.
واستدرك فيصل قائلا: لا يمكن بأي شكل من الأشكال تقييد إبداعاتهم أو أن نفرض عليهم أفكاراً معيّنة، لكن يجب عليهم أن تكون لهم رقابة ذاتية تجعل نصوصهم أو إبداعاتهم تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع الخليجي، الذي يتمتع بخصوصية المحافظة، ولذا فعليهم ألا يحجّروا واسعاً وألا يحصروا كل مشاكل الأسرة الخليجية في الزوجة الثانية أو الخيانات الزوجية أو الأب القاسي على أسرته، ورغم أن هذه الأمور قد تكون مفيدة في الحبكة الدرامية وتجذب المشاهد، لكنها تضر بصورة المجتمع.
أحمد عبدالله: الأعمال مستمدة من الواقع.. ولا تتحمل أي ظواهر مجتمعية
ذكر أحمد عبدالله الإعلامي والممثل أن الدراما لا تتحمل أي خلافات أو ظواهر في المجتمع، وأنها عنصر داعم وترفيهي والموضوع بعيد تماما عن نسب الطلاق.
وأضاف: الدراما أساسا تستمد قصصها من واقع المجتمع، والواقع يقول ان المرأة اصبح لها دور مساند ومهم في الحياة العملية الى جانب دورها المجتمعي المهم.
وأوضح أن تفوق المرأة أو خسارتها لبيتها ينسب للنسوية ولا تسببه الدراما، لاننا في مجتمع يرتقي بأخلاقه وعاداته، مجتمع صغير يهتم بتطوير نفسه.
وبخصوص تأثير الدراما على المجتمع، أضاف أن تأثير الدراما وارد ولكنه ايجابي، لانه يكشف نقاط الضعف، والاهم من ذلك المحتوى، لذلك الحذر في المحتوى مطلوب، والأهم من كل ما سبق ان الوعي المجتمعي حاضر وهو المكسب الاهم، وبدا ذلك واضحا في تحرك خليجي تجاه بعض المنصات التي سبقت وروجت لبعض الآفات.
وعن تناول بعض القضايا المثيرة للجدل في الدراما الخليجية قال عبدالله: الدراما يجب ان يقف امام صناعتها شجاعة في الانتاج، وشجاعة في الطرح، وشجاعة في المحتوى، وهذا ليس بالجديد على درامتنا المحلية التي سبق وحققت صدارة في عدة مناسبات في السابق، الامر ليس بالجديد ولكن نحن امام خيار التجديد وأوضح أن الدراما غير مطالبة بايجاد حلول للمشاكل أو لقضايا المجتمع.
وقال: الدراما تعطي حلولا ولكنها ليست مجبرة على ذلك الا لو كان العمل من الاساس موجها لفئة او يخدم فكرة معينة، أما المثاليه فهي تطرح بشكل غير مباشر لاننا لا نعلم المجتمع من خلال الدراما بل الحياة تعلم الدراما كيف تنقل الجانب الايجابي حتى لو كانت القصة حزينة أو العكس، لافتا إلى ان تقييد الابداع لن يدوم طويلا في ظل ثورة المنصات، على اجهزتنا الاعلامية الاستعداد لمواجهة منافسة من المنصات الخاصة ستكون ذات كلمة صعبة ووذات صراع طويل والمكاسب فيه كثيرة.
إبراهيم لاري: إبداع من أجل الترفيه رغم المبالغات أحياناً
قال إبراهيم لاري الممثل والمخرج المسرحي ان الاتهامات الموجهة للدراما الخليجية غير واقعية، وأن توجهها لطرح قضايا الطلاق والتشتت الأسري أو بعض الآفات الاجتماعية يحتاج إلى أن نبحث في تداعياته وأسبابه وهل هو متعمد أم لا.
وأكد لاري أن الدراما تدخل في نطاق الابداع من أجل الترفيه، ولا يجب تقييدها أو الانتظار منها أن تكون مدرسة أو معلما، لكنه استدرك بأن الدراما تؤثر في المجتمع بشكل أو بآخر، ومن أمثلة ذلك الملابس والأزياء الدخيلة التي دخلت على مجتمعنا التي أصبح المجتمع يراها عادية وتألفها عينه، ونفس الشيء مع بعض القضايا التي بمرور الزمن تصبح عادية في المجتمع.
وقسّم لاري الدراما إلى نوعين، النوع الأول الذي يقوم على القصص الحقيقية، والثاني يقوم على الخيال ومستوحى من قصص وروايات لا صلة لها بالواقع، وهو النوع الذي قال إن الدراما الخليجية تقوم عليه، وتعتمد على خيال المؤلفين.
وتابع أن الدراما القطرية خصوصاً تخضع لرقابة كبيرة وشروط صارمة لكي تحصل على تصريح البث في تلفزيون قطر، الذي يحرص على أن يقدم العمل الدرامي الأسرة القطرية والمجتمع الخليجي في صورة لائقة، بعيدة عن التهويل والمبالغة، ولكن مع ذلك يرى لاري أن هناك أعمالاً تعتمد على المبالغة والإثارة، وهي لا تمثل بالضرورة المجتمع الخليجي ولا حتى العربي، ولكنها أعمال درامية لها رسالة أو رؤية أو فكرة تريد إيصالها، لذلك يجب ألا نحكم على الأعمال الدرامية بأنها مرآة لنقل وعكس الواقع، فذلك ليس مهمتها ولا هو هدفها.
وأشار لاري إلى أن الدراما أصبح لها معايير خاصة في طرح قصص المسلسلات التي لا تركز على القضايا الجادة أو الإيجابية؛ بسبب المحافظة على الحبكة الدرامية المشوقة وعلى الكسب التسويقي منها.
ونوه بأن الضرورة الدرامية تفرض التركيز على الهموم والمشكلات السلبية لخدمة الموضوع، ولو طرحت المسلسلات بمثالية من جانب واحد، فإن العمل يفقد عنصر التشويق والمتابعة، علاوة على أن الخط الحالي الذي تسير عليه الدراما الخليجية موضة، في حال نجاح فكرة عن التفكك الأسري أو أي مشكل أسري فتبنى عليها أعمال أخرى تدخل في إطار التقليد والتكرار.
ووجّه لاري رسالة إلى الكتّاب والمبدعين بضرورة احترام خصوصية المجتمع، ومحاولة إنتاج أعمال إيجابية تحمل رسالة للمجتمع، رغم أنه قال إن قناعته بأن الدراما ليست مرآة ولا صورة لعكس الواقع.