الداعية عبد الله السادة: صلة وطيدة بين الصيام والإنفاق والجود
الداعية أحمد البوعينين: إفطار صائم في العشر الأواخر له فضل عظيم
د. موافي عزب: أفضل الصدقة في رمضان والعشر الأواخر منه
مع دخول «العشر الأواخر» من شهر رمضان، دعا علماء دين إلى الاجتهاد في الأيام الباقية من الشهر الكريم، لاستثمار ما تبقى من «موسم التحصيل» بإكثار الصدقات والتسابق في عمل الخيرات لنيل الدرجات، مؤكدين في هذا السياق على أهمية الصدقة خلال أيام شهر رمضان، وفضائلها في العشر الأواخر، وكذا دورها في تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يقصده التشريع في الشهر الفضيل، من حيث الترجمة العملية للصدقة، وهي أن تشعر مع الفقير حيث وُجد، منوهين بفضل إخراج الصدقة عن الأموات في هذه الأيام؛ لما لها من أجر عظيم يُحتسب لكل من: الميت والمتصدّق.
وقال فضيلة الداعية أحمد البوعينين: إن للصدقة في رمضان مزية وخصوصية، علينا أن نبادر إليها ونحرص عليها، ولها صور كثيرة من بينها إطعام الطعام، قال الله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً، إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً، فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنّة وحريراً»، فقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم»، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
صدقة المال
وأضاف: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة... وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، ووافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال: فجئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول الله: ما أبقيت لأهلك؟ قال: فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً، وفي حديث سلمان: «ومن فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب لمن فطّر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة.
استدراك التقصير
ومن جانبه، دعا فضيلة الداعية الدكتور عبد الله السادة إلى الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان، للاقتداء بهدي سيد المرسلين واستدراك التقصير والتوبة من التفريط، مؤكداً على الصلة الوطيدة بين الصيام والإنفاق والجود، حيث كان المثل الأعلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يكشف لنا عن حقيقة هذا التلازم والترابط الوثيق بين رمضان والصيام وبين الإنفاق والصدقة، فروى ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس»، فهل هناك تعبير أبلغ من هذا؟ هو أجود الناس، أي: بلغ الرتبة العليا في الكرم والجود والسخاء.
ما قال: لا قطّ إلا في تشهّده
لولا التشهّد كانت لاؤه نعم
«كان أجود الناس» هذه المرتبة العليا، فهل بعد ذلك من شيء؟ لا.
ونتأمل كيف كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث ابن مسعود في البخاري قال: «لما نزل فضل الصدقة كنا نحامل» أي: ليس عندنا مال. ومن ليس عنده مال فليس عليه زكاة، ولا تطلب منه الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقة ما كان عن ظهر غنى»، يعني: بعد أن تستغني تصدق بما يزيد.
لكن الصحابة المحبين للخير الراغبين في الأجر يقولون: «كنا نحامل» أي: يعمل أحدهم حاملاً، فيحمل حتى يأخذ أجراً.
شهر الجود
واستطرد قائلاً: إن شهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية والأكف الندية، شهر يسعد فيه المنكوبون ويرتاح فيه المتعبون، فليكن للمسلم فيه السهم الراجح، فلا يترددنّ في كفكفة دموع المعوزين واليتامى والأرامل من أهل بلده ومجتمعه، ولا يشحّنّ عن سد حاجتهم، وحذارِ من الشح والبخل، ناهيكم عن كون النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ ربه منهما، بل إن الجود والكرم كانا ملازمي رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، في حين أنه يتضاعف في رمضان حتى يكون كالريح المرسلة، وفي الصحيحين: «أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا»، فما بالك بفضل الصدقة في العشر الأواخر من رمضان حيث يتضاعف الأجر.
صدقة الميت
وحول الصدقة عن الميت، أكد أن الصدقة عن الميت تنفعه ويصل ثوابها اليه، ففي الحديث النبوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالاً ولم يوصِ، فهل يكفّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم، وفي هذا الحديث جواز الصدقة عن الميت واستحبابها، وأن ثوابها يصله وينفعه، وينفع المتصدق أيضاً؛ ولهذا أكثروا من إخراج الصدقات عن أمواتكم في العشر الأواخر، فلها فضل كبير ويؤجر عليها الميت والمتصدق.
وقال فضيلة الداعية الدكتور موافي عزب: إن على المسلم أن يكثّف من عبادته خلال العشر الأواخر بما فيها قراءة القرآن الكريم والدعاء والاعتكاف، بالإضافة إلى الصدقة، وهي من أهم العبادات التي ينبغي على المسلم أن يكون له منها نصيب وافر في هذا الشهر، وهي في رمضان أفضل منها في غيره، فقد أخرج الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة صدقة رمضان، كما أن العشر الأواخر لها مزايا تفضلها على غيرها من ليالي العام، وذلك أنها الليالي التي كان رسول الله صلى الله عليه يحييها كلها بالعبادة؛ لأن فيها ليلة خيراً من ألف شهر.