عبر فخامة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي عن فخره بعلاقته المتميزة بحضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، مؤكداً أن هذه العلاقة تتعدى العلاقات السياسية إلى علاقات ود واحترام وتقدير.
وأثنى الهاشمي في حوار مع «العرب» على الدور القطري في دعم الثورات العربية، مؤكداً أن قطر دخلت التاريخ وسجلت موقفا سيكون من الصعب على أي دولة أخرى أن تسجله. ونفى نائب الرئيس العراقي نيته الاستقرار في قطر، مؤكداً أنه سيعود إلى بلاده لأنها بحاجة إليه، واصفا مذكرة الاعتقال التي صدرت من بغداد بحقه بأنها مسيسة.
وأثنى الهاشمي على موقف قطر من طلب حكومة بغداد تسليمه بعد وصوله إلى الدوحة، مؤكداً أن هذا جزء من الحملة الإعلامية للتشويش على زيارته إلى الدوحة.
ما طبيعة زيارتكم لقطر في هذه المرحلة الحساسة؟
- الزيارة حقيقة تأتي في إطار الزيارات المتكررة إلى دولة قطر، وكان من المفروض أن أقوم بها يوم 29/1 قبل تفجر الأزمة ولكن بالتشاور مع القادة القطريين طرحنا تأجيلها إلى بعد مؤتمر القمة، حتى لا يساء تفسيرها على أنها حث من الهاشمي لعدم المشاركة بمؤتمر القمة، وأنتم ترون بعض الإعلام العراقي الذي انزلق إلى اتهامات وشبهات وكلام غير مسؤول وغير دقيق حتى قيل إن الهاشمي سيقوم بلقاء مع بعض رموز النظام العراقي السابق في قطر، وأنا لم ألتق بأحد. الزيارة تأتي في هذا الإطار، أنا أفتخر وسعيد للغاية بأن تكون علاقتي مع دولة قطر -وعلى وجه الخصوص مع حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى- علاقة متميزة تتعدى العلاقات السياسية إلى علاقات الود والاحترام والتقدير، وأنا أثنيت على دور قطر التاريخي الذي تضطلع به هذه الدولة في الربيع العربي، واصطفافها إلى جانب الشعوب للتخلص من أنظمة شمولية، دور قطر لا يعلى عليه، ودخلت التاريخ وسجلت موقفا سيكون صعبا على أي دولة أخرى أن تسجله وتتحمل عبء المرحلة، أنا أحببت أن أسجل كامل تقديري واحترامي لموقف قطر. والجانب الثاني موضوع المطالبة العراقية للقبض على الهاشمي، قوبل هذا الطلب بالاستهجان. أنا جئت من العراق وسافرت تحت الشمس وبطريقة قانونية، وجئت بطائرة قطرية بعد أن حصلنا على موافقة الطيران المدني العراقي والشخصيات التي ستكون على متن الرحلة. أنا أعتقد أن كل هذه الحملة معروفة، إذا كان إقليم كردستان الذي هو جزء من العراق لم يعترف بأمر القبض الذي أصدرته الهيئة القضائية لأسباب دستورية وقانونية، أنا لدي حصانة وفق الدستور لم تطبق بحقي، الاتهامات التي توجه إلى من يشغل رتبة وزير فأعلى لا تقع ضمن المحاكم العادية وإنما الدستورية، وذهبت إلى المحاكم الجنائية. دولة قطر تعلم هذه المسألة بدقة وإقليم كردستان يعلم، هذه المسألة مستغربة، أنا سعيد لحديث معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية خالد العطية الذي استهجن هذا الطلب، إذ قال إن الهاشمي جاء من العراق إذا كان هناك قرار بإلقاء القبض عليه فكيف سمح للطائرة بالإقلاع؟ ولماذا لم يتم اعتقاله في أربيل؟ كما أن إقليم كردستان ردّ مثل هذه الدعاوى وقال إنه لا يعترف بها، لأن أوامر القبض مسيسة وتخضع لاعتبارات كاذبة، و«الهاشمي نائب رئيس جمهورية لديه حصانة».
هل فعلا أن الهاشمي ينوي الاستقرار في قطر؟
- لا على الإطلاق أنا لم أترك بلدي، فبلدي بأمس الحاجة لي، هذه المسألة عرضت علي من قبل أطراف مقربة من الحكومة بأن أغادر حتى تغلق الملفات.
وهل فعلا صدرت بحقكم مذكرة اعتقال من قبل الإنتربول كما تردد حكومة المالكي؟
- هذا جزء من الكذب أنا لم يصدر بحقي قرار من محكمة، الذي صدر هو من هيئة قضائية ما زالت في طور التحقيق الابتدائي، هذه التهم لم تصل إلى الجنائية بعد ولم تصدر قرار حكم، وبالتالي كيف يزج الإنتربول بقضية ما زالت في طور التحقيق؟ الإنتربول تبدأ مهامه عندما يصدر حكم قضائي قاطع، حتى القرار إذا صدر يمكن أن يميز ويبت به، وبعد ذلك إذا هرب الهاشمي يلاحق عبر الإنتربول، هذه الاتهامات ما زالت في طور التحقيق ولم يصدر بها حكم قضائي.
لماذا غير المالكي موقفه من سوريا بعد انتهاء القمة العربية في بغداد، بعد أن كان متماهيا مع موقف الجامعة العربية؟
- أعتقد أن هذا التراجع غير مقبول فيما أعلن من قرارات سبقت القمة، والشعب العراقي تعاطى مع هذه القرارات، وأنه سوف يلتزم بقرارات الجامعة العربية، ولكن الجميع فوجئ بالانقلاب على هذه المواقف، والعراق اليوم أصبح معزولا عن الموقف العربي وهذا غير مقبول على الإطلاق.
هل بات الهاشمي ورقة ضغط بيد حكومة كردستان العراق موجهة ضد حكومة المركز؟
- لا هذا ليس دقيقا، تعاطف كردستان مع قضية الهاشمي ينطلق من اعتبارات قانونية للحفاظ على العملية السياسية، اعتبارات أن هناك حصانة لمن يتولى مناصب قيادية. استهداف الهاشمي ترك الانطباع بأن ظهور كل القادة السياسيين مكشوفة، وبالتالي إن لم توقف هذه المؤامرة فربما سيأتي الدور على بقية القادة، اليوم عندما يتكلم أحد قادة التحالف الكردستاني بأنه لم يعد حضوري لبغداد آمنا، طالما أن رئيس الجمهورية لم يستطع أن يضمن سلامته ويحمي نفسه من خلال هذا المنصب الرفيع ومكانته في العملية السياسية، إذا كل هذه المناصب لم توفر له حصانة، فكيف ستوفر حصانة لي أو لغيري؟ الدفاع عن طارق الهاشمي اليوم هو دفاع عن العملية السياسية ونبذ الاستبداد. أنا لا أتمنى أن يكون وجودي في كردستان عبئا عليها، لكن الجماعة في كردستان يقولون الآتي: نحن أفضل من غيرنا في إدراك معنى الظلم، ونحن متأكدون أن الهاشمي بريء، وأن هذا الشخص ظلم فسوف ندافع عن الهاشمي، عندما يقول السيد مسعود البارزاني: إنها تتجاوز القضايا السياسية إلى القضايا الخلقية، هذه المسألة لم تجر للقضايا السياسية على الإطلاق، هذا الموقف النبيل من رئيس إقليم كردستان ورئيس الجمهورية لم يبن بناء على صفقة سياسية أو تبادل مصالح، وإنما موقف مبن على شعور عال بالمسؤولية والحفاظ على العراق.
يقال إن أمر القبض عليك هو استهداف للسنة، ونشعر أن هناك جهات أخرى تحرك مثل هذه القضايا الطائفية؟
- من حقك أن تشعر هذا الشعور، اليوم يستهدفون طارق الهاشمي وهو الشخصية الخامسة من العرب السنة التي تستهدف، والتهديد موجود لشخصيات عربية سنية موجودة في العملية السياسية، وهو استهداف سياسي واضح، وبالوقت نفسه هناك أوامر بإلقاء قبض على قادة من التحالف الوطني لم تنفذ، وهناك أوامر إلقاء قبض بحق قادة عسكريين لا تنفذ، اليوم حتى لو أجريت مسحا للمعتقلين تجد أن ما يزيد على %95 هم من مكون العرب السنة، هذه القضية لافتة للنظر، المالكي لا يجرؤ على إلقاء القبض على قادة من التحالف الوطني صدرت بحقهم أوامر إلقاء قبض؛ لأنه يعرف الثمن الذي سيدفعه في إغضاب الدولة الجارة، هو يستهدف «التوافق» سابقا واليوم «العراقية»، وبالتأكيد القضية طائفية سياسية واضحة.
موقف المالكي من سوريا هل هو موقف طائفي أيضاً؟
- اللافت للنظر هو التغير الذي حصل، المالكي كان يتهم الحكومة السورية بأنها وراء الإرهاب والعنف بالعراق، وقدم ملفا كاملا لمجلس الأمن بعد تفجيرات الخارجية في بغداد، ونحن كنا نتبنى الموقف الوسطي المعتدل، وكنا نقول إن على الحكومة أن تقدم البينة قبل الاتهام، ولكن المالكي كان يتهم الحكومة وحزب البعث السوري ويتهم القيادة السورية بأنها وراء العنف والإرهاب في العراق، لذلك كان يكيل الاتهامات باستمرار للنظام السوري، ولكن فجأة تحول الموقف إلى موقف داعم وتصريحات قبل أيام بأن النظام لن يسقط، وهو دعم لتوجهات إيران، والعلاقات مع إيران قوية وهذا النفوذ الإيراني الكبير؛ تمدد في العراق بشكل كبير منذ 2006 وأصبح اللاعب الرئيس.
هل قصرت الجامعة العربية في العراق؟
- بالتأكيد الغياب العربي ترك المشهد العراقي فارغا وساعد في تغلغل إيران بكل مفاصل الدولة العراقية، والعرب يتحملون جزءا كبيرا في هذا الذي حصل، حتى وجودهم مع الخلاف الأميركي ما كان ينبغي أن يغلقوا الأبواب بوجه العراق ويتركونه يواجه قدره بهذه الطريقة.
كيف تابعت القمة العربية؟
- نحن سعداء بعودة العراق إلى حضنه العربي، ولكن كنا نتمنى أن تكون القضية العراقية جزءا من قرارات القمة، لكن العراق غُيب وغاب عن المشهد رغم أن هناك الكثير من القضايا التي تستدعي موقف العرب، التحديات التي نواجهها بالعراق تتجاوز إمكاناتنا، كنا نتمنى أن ترد إشارة واضحة للشأن العراقي، وتؤكد الدول العربية موقفها وتضامنها مع الشعب العراقي ووقوفها مع العراق. غياب العراق مؤسف عن هذه القرارات.
قبل أيام صرح السيد مسعود البارزاني بأن من يقتل الشيعة هم في مكتب القائد العام للقوات المسلحة، نوري المالكي، كيف تنظرون لمثل هذا التصريح؟
- هذا جزء من وقوف السيد مسعود البارزاني مع طارق الهاشمي، عندما قال إن هذا الرجل بريء من الاتهامات رغم أني لم أقدم له أي أدلة على براءتي، ولكن الإخوة الكرد موجودون في الدولة العراقية وموجودون أيضاً في الأجهزة الأمنية، وبالتالي لديهم المعلومة الأمنية التي يستطيعون من خلالها تحديد موقفهم الأمني. السيد البارزاني قال إن لديهم الدليل على ذلك بأن من يقتل ويذبح سواء من السنة أو الشيعة أو من الآخرين هم أطراف قريبون لمكتب القائد العام للقوات المسلحة، هذا ليس مجرد عاطفة أو اتهام من دون دليل.
هناك اتهامات للمالكي بقيادة فرق موت سرية ومعتقلات سرية، أنتم مطلعون على الواقع هل هذه الاتهامات صحيحة؟
- أنا أعتقد أن المستقبل سوف يكشف الكثير مما هو غامض، هناك قتل مشبوه، الإشكالية اليوم أن الجهاز الأمني والقوات المسلحة تخضع للقائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الحكومة المالكي، وبالتالي هذه الشبهات والشكوك تدور. أنا ليس لدي دليل قاطع ولكن الشعور موجود، في أحيان معينة عندما تحصل جرائم قتل أو غيرها، هذه الجرائم لا تحصل إلا من أجهزة منظمة، وتملك قدرة على اختراق نقاط التفتيش، ومع ذلك يفلت هذا الجاني. هذه المسألة لا يستطيع أن يقوم بها أي شخص أو أي عصابة وإنما أجهزة منظمة.
هناك حالة من الدفاع المستميت من قبل المالكي وبعض الساسة في العراق، عن البحرين، وفي سوريا هناك تأييد للنظام، كيف يمكن تفسير ذلك؟
- المنطقة برمتها تواجه فتنة طائفية حقيقية، وربما الجارة إيران وراء هذه الفتنة، والسماح بهذه الفتنة سيخرج الجميع بخسارة، نحن جربنا هذه المسألة في عامي 2005 و2007 وخرج الجميع بخسارة صافية. إيران تسعى لتقسيم العرب على أساس مذهبي. أنا أعتقد أنه يجب تجاوز هذه المحنة بعقلانية وحكمة ولا ينبغي أن ينزلق إخواننا في هذا الدرك.
بعد خلافات بغداد وأربيل، هل يمكن أن نشهد إعلانا قريبا للدولة الكردية؟
- نتمنى أن يبقى العراق موحدا ونعمل على ذلك ونتمنى بقاء الأكراد إخوة وشركاء في الوطن، ولكن الإخوة الأكراد ذكروا في أكثر من مناسبة أن من حقهم تقرير المصير، والشراكة تكون في ظل عراق ديمقراطي وليس عراق استبدادي، الذي سوف يزعزع استقرار العراق ويؤثر على وحدته هو المنحى الاستبدادي الجديد، هناك انحراف خطير في العملية السياسية تقوده الحكومة الحالية، بدل أن نعمل على بناء ديمقراطية حقيقية تجعل العراق نموذجا، نشهد أن هناك استقطابا للسلطة منذ 2006، وهناك مؤشرات خطرة، فعندما يوجه رئيس الوزراء اتهاماته لنائب رئيس الجمهورية دون أي اعتبار لوجاهة رئاسة الجمهورية، أو أي اعتبار لحصانة هذا المنصب، ما التفسير الذي يمكن أن نقدمه غير تفسير الاستبداد؟
ما حقيقة الحديث عن إقليم سني كردي مشترك للتخلص من هيمنة المالكي وحزبه؟
- هذا الكلام من السابق لأوانه في المقام الأول نريد إصلاح الشأن العراقي كله. المحافظات ذات الأغلبية السنية تعاني من أزمة حقوق إنسان، وفي المحافظات الجنوبية هناك العوز والفاقة بسبب الفساد المالي والإداري. الفساد عرقل التوزيع العادل للثروات. العراق يعيش مأزقا حقيقيا، فنحن قبل أن نتكلم عن إقليم كردي سني نتكلم عن الوضع في العراق، لا بد من حكومة تمثل كل العراقيين، وتضمن الشراكة الحقيقية في اتخاذ القرار وأن تضمن توزيعا عادلا للثورات من دون تحيز.
بصراحة من يدير العراق حاليا؟ من يحكم؟
- العراق يدار من قبل أبنائه ولكن هناك تدخل صارخ بالشأن الداخلي، واستهدافي مثال على ذلك، أنا أتهم دولا بالوقوف وراء ذلك.
من تقصد؟
- دعنا نؤجل هذا الموضوع الآن، وسيكشف في المستقبل.
كيف تنظر إلى ما يجري في سوريا، ولماذا تتوالى المهل لنظام الأسد؟
- أنا أعتقد أن هذا النظام آيل للسقوط بنهاية المطاف ربما يأخذ بعض الوقت، الأسبقية اليوم لإيقاف سفك الدماء، أنا يؤسفني أن أقول المجتمع الدولي خذل الشعب السوري، ولا القمة العربية في بغداد تعاطت مع محنة الشعب السوري بالشكل الذي يجب، وبالتالي أنا أشعر بحزن لترك الشعب السوري يواجه قدره.