مطالب بعقوبات رادعة لوقف هدر الماء والكهرباء

alarab
محليات 04 مارس 2016 , 06:44ص
محمد سيد احمد
بعد تأكيد مدير إدارة الصحة والسلامة والبيئة في مؤسسة كهرماء على أن معدل استهلاك الفرد في قطر للمياه هو الأعلى على مستوى العالم طالب مواطنون من الجهات المسؤولة سَنّ قوانين ووضع غرامات رادعة على المستهترين بالمياه الذين يستخدمونها بشكل سيئ، مؤكدين أن الضرورة باتت تقتضي القيام بحملات متنوعة تبدأ بتربية الأطفال على الاستخدام الرشيد للماء والكهرباء، سواء من قِبل أولياء الأمور، أو عن طريق إدخال مادة عن الموضوع في المناهج الدراسية، إضافة إلى دور خطباء المساجد وشيوخ الوعظ في هذا الجانب، وأهمية توضيح حرمة الإسراف في استخدام المياه في المساجد والمنازل.

«العرب» طرحت الموضوع للنقاش واستطلعت آراء بعض المواطنين حول أسباب الظاهرة والبحث عن أفضل السبل لمواجهتها، فاتفقوا على أن مجانية المياه والكهرباء للمواطنين تعدّ سببا رئيسيا في هدرها، وطالبوا بعدم الاعتماد على حملات التوعية الموسمية التي أسهمت بالفعل في بث الوعي لدى شريحة المتابعين للإعلام، لكنها لم تصل إلى بقية شرائح المجتمع التي يرجع لها السبب الأول في هدر المياه والكهرباء واستخدامهما باستهتار؛ حيث نحتاج إلى ترسيخ ثقافة ترشيد المياه والكهرباء لدى الأطفال في المنازل والمدارس، وتوعية الخدم والعمالة المنزلية بضرورة الحفاظ على هذه الثروة الهامة التي هي عصب الحياة.

استخدام بلا ضوابط
يقول خالد القحطاني: إن نسبة كبيرة من المواطنين لا تهتم بترشيد استهلاك المياه والكهرباء؛ لاعتقادهم أن تلك الخدمات ما دامت مجانية فمن حقهم استخدامها كيفما شاؤوا دون وجود ضوابط، وأضاف: مشكلة الإسراف في استهلاك المياه في قطر لها عدة أسباب تتطلب خططا بديلة من طرف المسؤولين في مؤسسة كهرماء، فالتجارب أثبتت أن بعض المواطنين يتكئون في استخدامهم المفرط على مجانية المياه والكهرباء، وما لم توضع رسوم على الاستهلاك الزائد عن الحد فسيظل النزيف مستمرا لهذين المصدرين اللذين يعدّان أهم وسائل الحياة على مستوى العالم؛ لذا لا بد من وضع خطة تمنح بموجبها شركة كهرماء لكل مواطن حصة محددة من المياه والكهرباء تكفي لحاجته، وكل ما زاد عن تلك الحصة يسدد المواطن رسومه، لأن البعض لا يقدر هذه النعمة حق تقديرها للأسف، فتجد العائلة الكبيرة التي تمتلك عدة منازل تذهب في إجازة مخلّفة وراءها الأنوار والمكيفات تعمل دون توقف حتى تاريخ عودتها الذي يطول أو يقصر حسب الإجازة، وتترك العمالة المنزلية تستخدم المياه من دون مراقبة ولا إرشاد، وتتجاهل هذه العائلة ومثيلاتها أن الحكومة تنفق أموالا باهظة لتأمين إيصال هذه الخدمات إلى المواطنين والمقيمين بشكل آمن ومستمر، وهو ما يستدعي من الجميع الحرص على ترشيد المياه والكهرباء وعدم استخدامهما استخداما سيئا، فالاستهتار بهذه النعم التي تفتقدها شعوب كثيرة خطير ويتنافى مع روح المواطنة، ومع الدين الإسلامي، ومع مصلحة الوطن حاضرا ومستقبلا.

المساجد نموذجاً
ونبّه على أن من يرغب في معرفة حجم الهدر للمياه في قطر، فما عليه سوى زيارة أماكن الوضوء الملحقة في المساجد التي تكفلت الدولة لروادها بمجانية المياه، فكل فرد من رواد المساجد في قطر يستخدم في وضوئه كمية تكفي لعدة أشخاص، وعندما تسأله يجيبك بكل بساطة أن الحكومة هي من يدفع الفاتورة، وبالتالي هو حر في التصرف في المياه التي تلاحظها فوّارة بشكل يشي بعبثية وعدم مسؤولية!، وهنا أسأل أمثال هؤلاء: ألا يدرك هؤلاء المقبلون على العبادة داخل بيوت الله أن إسرافهم في المياه وهدرها يتنافى مع الشريعة الإسلامية؟، لم لا نساعد حكومتنا على أن تظل المياه والكهرباء متوفرة وبرسوم قد تكون الأقل على مستوى العالم؟، هل يعقل أن تترابط هذه الأفعال؟، أن تكون الكلفة هي الأقل، وأن يكون معدل الاستهلاك هو الأعلى؟، وإذا كان هذا هو حال الناس مع مياه بيوت الله فكيف يكون الحال لمن لا يدفع الفواتير داخل البيوت، سواء أكان مواطنا أو مقيما.

ظاهرة عامة
بدوره لفت عبدالهادي الكربي إلى أن مشكلة هدر المياه والكهرباء ليست خاصة بالمواطنين فحسب، بل هي ظاهرة عامة، فهناك آلاف من المقيمين الذين يستأجرون منازل لمواطنين معفاة من رسوم الكهرباء والماء يقومون هم الآخرون بنفس التصرفات وأشد، فرغم الحملات الكثيرة التي قامت بها شركة كهرماء والإعلانات الهائلة التي دفعت مقابلها أموالا طائلة لتوعية المواطنين والمقيمين بضرورة ترشيد الكهرباء والماء، لا تزال نسبة لا بأس بها من المواطنين والمقيمين ترفض التجاوب مع هذه الحملات، وبالتالي لن يرتدع هؤلاء ما لم تعد المؤسسة المسؤولة النظر في مجانية الكهرباء والماء للمواطنين؛ إذ من غير المعقول أن تكون الوحدات السكنية التي يمتلكها مواطنون والتي يخصصونها للإيجار من أجانب، من غير المعقول أن تظل معفاة من رسوم الكهرباء والماء، يكفينا إسرافا ما يتم داخل البيوت التي يسكنها المواطنون، فلم تعفى منازل يستأجرها أجانب من هذه الرسوم بحجة أنها ملك لمواطن؟، من هنا لا بد من إعادة النظر في إعفاء المواطنين من مجانية المياه والكهرباء حتى يستشعروا حجم النعمة التي هم فيها والتي لا تجد تقديرا لها كما يجب، إلى متى يظل معدل استهلاك الفرد من المياه في قطر هو الأعلى عالميا؟، هل لأننا نمتلك مخزون مياه هو الأول على مستوى العالم؟ الجوب بالنفي بكل تأكيد، قد نكون من بين الدول الأقل موارد مائية، فنحن نعتمد في توفير المياه العذبة على تكنولوجيا تحلية مياه البحر ولا توجد في دولتنا بحيرات عذبة ولا مياه جوفية تغطي احتياجات السكان، فلم يصر المواطن والمقيم على مواصلة الإسراف في استهلاك المياه؟

ودعا الكربي المواطنين والمقيمين إلى وقفة صادقة مع النفس بشكل يجعلهم يفهمون أنهم يعيشون في منطقة من أقل مناطق العالم موارد مائية؛ حيث لا يوجد في العالم العربي نهر عذب ينبع من داخل الحدود العربية، فكل أنهارنا العذبة تنبع من دول أخرى تستطيع التحكم فيها متى تشاء، فما بالكم بدولتنا التي تعتمد اعتمادا كليا على تحلية مياه البحر رغم ما تكلفه مثل هذه العملية لخزينة الدولة من أموال طائلة حرصا منها على أن يتمتّع المواطن والمقيم بخدمات كهرومائية جيدة.

وبيّن أن الحملات الموسمية التي تتم في هذا الجانب لن تؤتي نتائج إيجابية ما لم تصاحبها استراتيجية متكاملة تقوم على نشر ثقافة ترشيد الاستهلاك وترسيخها لدى الصغار والكبار عن طريق حملات توعية تبدأ من المنزل والمدرسة، وتنتهي عند وسائل الإعلام التي يجب أن تطور من تناولها لهذا الأمر الهام الذي لا يدرك البعض حجم المخاطر المستقبلية على الجميع فيما لو تواصل هدر المياه والطاقة، فنحن بحاجة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى عدم الاعتماد على حملات التوعية الموسمية، والتركيز بدلا من ذلك على سَنّ قوانين رادعة وغرامات حقيقية لكل من يستخدم عصب الحياة بشكل غير مسؤول، وهنا تأتي أهمية التوعية الدينية التي يجب على الخطباء ومشايخ الوعظ أن يخصصوا لها جزءا من خطبهم ودروس وعظهم التي يلقون في المساجد يوضحون للجميع فيها حرمة الإسراف والتبذير في استخدام المياه والكهرباء اللذين لا غنى لأحد عنهما، فالدولة تنفق مليارات الريالات على مشاريع المياه والكهرباء وتجديد الشبكات القديمة بشكل يتناسب مع التقدم العمراني للدولة، بحيث تشمل كل المناطق في قطر، وهذا ينبغي أن يقابل بالتفاعل الإيجابي مع حملات الترشيد وليس العكس.

الفئات الأقل وعياً
من جهته قال حسين اليامي: إن القائمين على حملات الترشيد ينبغي أن يركزوا على فئات معينة تعتبر الأكثر إسرافا والأقل وعيا بقيمة المياه والكهرباء، مثل الأطفال، والخدم داخل المنازل، والضيوف الزائرين للبلد بشكل مؤقت، فبالنسبة للأطفال ينبغي على أولياء أمورهم تنشئتهم على احترام كل قطرة مياه بشكل يجعلهم يتعودون على هذا الجانب الإيجابي للمواطنة، كما يجب إدراج مادة دراسية في مناهج المدارس الابتدائية والإعدادية تقدم فيها دروس حول شح مصادر المياه في قطر، وتوعية الطلاب بالتكلفة العالية لعملية تحلية مياه البحر التي نستخدمها، ليستوعبوا أن ذلك يقتضي ترشيد الاستهلاك، كما على كفلاء العمالة المنزلية أن يقوموا بتوعية هذه العمالة من أول يوم تدخل فيه المنازل الخادمة أو العامل بالتقيد بترشيد المياه والكهرباء إلى أبعد الحدود، فهؤلاء يدخلون إلى بيت مواطن ويرون كيف يتصرف هو مع المياه بعفوية شديدة، بالتالي لا بد أن يسألوا عن سر ذلك، وعند سؤالهم ستكون الإجابة من أحد أفراد العائلة أن المواطن لا يدفع رسوما مقابل المياه والكهرباء، وبناء على هذا الخبر يبدأ العمال في الاستخدام اللامحدود للمياه والكهرباء، من هنا لا بد من حملات توعية يقوم بها المواطنون للعمالة المنزلية التي تعمل معهم، وختاما يأتي دور أئمة المساجد في خطبهم ودروس وعظهم التي يجب أن يخصص جزء منها لتوعية المسلمين بحرمة الإسراف في استخدام المياه داخل المساجد وفي المنازل، لأن الله لا يحب المسرفين، بعد هذا كله يأتي دور الملصقات الدعائية وضرورة تثبيتها في كل المكاتب والمدارس وغرف المنازل توضح أهمية ترشيد المياه والكهرباء، وفي اعتقادي أن هذه الاستراتيجية كفيلة بالحد من هدر المياه الذي جعل المسؤولين يعترفون أكثر من مرة أن استهلاك الفرد في قطر من المياه وصل إلى مراحل تحتاج من الجميع التصدي لها بكل الوسائل الممكنة.

استهلاك مرتفع
وخلال الاحتفال بيوم البيئة في جامعة قطر الذي نظمه قسم العلوم البيولوجية والبيئية بكلية الآداب والعلوم بجامعة قطر قال مدير إدارة السلامة والبيئة بمؤسسة كهرماء المهندس عبدالرحمن النعمة: إن معدل استهلاك الفرد في قطر للمياه هو الأعلى على مستوى العالم، لافتا إلى وجود فجوة بين قدرة المصادر على العطاء وازدياد الحاجة إلى المياه عالميا، مشيراً إلى أن هذه الفجوة تتسع يوما بعد يوم، في ظل انفجار سكاني وتوسع عمراني وطموح إنساني وموارد مائية تتصف بالثبات النسبي في كميتها وتشكو سوء استغلال، بالإضافة إلى سوء استخدام المياه الصالحة للشرب من حيث الهدر، محذّرا من أن الدراسات العلمية أثبتت أن ظاهرة التغير المناخي أصبحت حقيقة واقعة بات على المجتمع التعامل معها بجدية وصرامة.
وأضاف: "علينا جميعا مسؤولية جمة تجاه بيئتنا التي تستحق منا اهتماما وتجاه السلعة الاستراتيجية التي تبدأ منها الحياة ومن دونها تنتهي ألا وهي الماء، فلا حياة بلا ماء ولا بيئة نظيفة صحية في ظل شح المياه، ولا تنمية مستدامة تفتقد المياه.