تقرير «راند 2004» يسعى إلى تغيير مفاهيم الإسلام وجعله غير مقاوم للهيمنة الغربية
محليات
04 يناير 2019 , 04:51ص
الدوحة - العرب
أجرت الباحثة فاطمة الزهراء السيد علي -أستاذ مساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر- مؤخراً، دراسة تحليلية نقدية استكمالاً لمتطلبات كلية الشريعة والدراسات الإسلامية للحصول على درجة الماجستير في التفسير وعلوم القرآن، وناقشت الدراسة المفاهيم المتعلقة بالقرآن الكريم في تقرير مؤسسة «راند» لعام 2004م، وذلك تحت إشراف الدكتور محمد عبداللطيف عبدالعاطي أستاذ التفسير والعلوم القرآنية.
تُعنى هذ الدراسة بتحليل ونقد المفاهيم المتعلقة بالقرآن الكريم في تقرير مؤسسة «راند» «إسلام حضاري ديمقراطي» للعام 2004م، وتناولت الحديث عن مؤسسة «راند» من حيث نشأتها، وأهميتها، وخطورتها، ومراكزها، وأهم باحثيها وتقاريرها، ثم عرّفت بالتقرير المعني بالدراسة من حيث مؤلفته، ومحتواه، ومراجعه، ومصادره.
كما نقدت المفاهيم المرتبطة بالقرآن الكريم التي جاءت في التقرير، وهي المفاهيم المتعلقة بالتشكيك في وثاقة تدوينه، وبالطعن في محتواه، وبالقول بتاريخيته، وبتهميش دور التفسير، بالإضافة إلى نقد المفاهيم المرتبطة بالأحكام القرآنية، ومنها تلك المتعلقة بحجاب المرأة المسلمة، وبالتناقض في آيات تعدد الزوجات، ثم المفاهيم المتعلقة بحدّي القصاص والزنا، وبالخلط بين الإرهاب والجهاد، وكيفية تعامل الإسلام مع أهل الكتاب.
أسباب اختيار موضوع الدراسة
وأشارت الباحثة إلى أنها اختارت موضوع الدراسة بعد اطلاعها على تقرير أصدرته مؤسسة «راند» في العام 2004م، يتضمن بعض المفاهيم المغلوطة التي تتعلق بالقرآن الكريم، مؤكدة أن المؤسسة تحظى بأهمية كبيرة وتأثير كبير على صناعة القرار داخل الولايات المتحدة الأميركية، التي لا يخفى أن لها أثراً كبيراً في اتخاذ القرارات في معظم بلدان العالم، وأوضحت فاطمة أنها -نظراً لخطورة المفاهيم التي تتعلق بالقرآن الكريم الواردة في التقرير- قررت أن تقوم بتسليط الضوء على «مؤسسة راند» وجذورها، وتأثيرها في دولنا الإسلامية، خاصة في الجانب الفكري والتعليمي والتربوي، وأضافت أنها قامت بتحليل شامل للأفكار التي تضمنها التقرير، ونقدها في ضوء الحجج النقلية والعقلية.
للتقرير أثر واضح على صناعة القرار في العالم الغربي، بل في تشكيل العالم العربي إلى حد كبير فكرياً وسياسياً، خاصة فيما يتعلق بالاستراتيجية التي أوصى بها التقرير، لذلك كان لا بد من دراسته دراسة تحليلية معمّقة، ونقد المفاهيم التي تبنّاها.
وأضافت أن التقرير اشتمل كذلك على أفكار عن الإسلام عموماً، وعن القرآن خصوصاً، وقد تم نشره في أنحاء العالم، وتم تسليط أضواء الإعلام عليه، الأمر الذي يؤكد ضرورة نقد المفاهيم المتعلقة بالقرآن الكريم التي تضمنها ذلك التقرير، كما لفتت إلى أنه يُعدّ أول وأبرز تقرير يعلن صراحة ضرورة تغيير الإسلام فكرياً، وإعادة بناء دين جديد بأيدٍ إسلامية.
وأكدت الباحثة أن التقرير لم يعرض أفكاراً فحسب، بل إنه وضع برنامجاً عملياً واستراتيجية دقيقة لتنفيذه على أرض الواقع، مشيرة إلى ضرورة التصدي لهذا التقرير، وذلك لما يحمله من مغالطات وتزييف للحقائق، خاصة فيما يتعلق بالقرآن الكريم.
أهداف الدراسة
وتهدف هذه الدراسة إلى التعريف بمؤسسة «راند»، وبيان مدى تأثيرها في صناعة القرار بأميركا والعالم العربي، بل العالم كله، بالإضافة إلى تحليل الأفكار المتعلقة بالقرآن الكريم التي تضمنها تقرير «راند» للعام 2004م، فضلاً عن نقد المفاهيم المتعلقة بالقرآن الكريم التي تناولها هذا التقرير، والسعي إلى نشر هذا النقد بعد تقديم نسخة منه لمؤسسة «راند».
منهجية الدراسة
واستخدمت الباحثة في الدراسة المنهج التاريخي، لبيان تاريخ مراكز البحوث الغربية، وعلاقتها بالاستشراق، وبيان تاريخ «مؤسسة راند للأبحاث والتنمية»، واستعانت بالمنهج الوصفي لوصف علاقة المراكز البحثية بالقرار السياسي الغربي، ووصف واقع المسلمين المعاصر، وكذلك استخدمت المنهج التحليلي لتحليل محتوى التقرير، إذ إنه يحوي كثيراً من المعلومات والتفصيلات المتداخلة والمتناثرة، والتي كان من الأهمية بمكان أن يتم جمعها وربط بعضها ببعض، ومن ثم تحليل محتواها، بالإضافة إلى أنها استعانت بالمنهج النقدي لنقد المفاهيم المتعلقة بالقرآن الكريم نقداً موضوعياً، يستند إلى الحجج والبراهين النقلية والعقلية.
محتوى الدراسة
وقامت الباحثة بتقسيم البحث إلى 3 فصول رئيسية، حيث ناقش الفصل الأول مؤسسة «راند» وتقريرها «إسلام حضاري ديمقراطي» من خلال نشأتها وأهميتها وأبرز الباحثين بالمؤسسة وأهم التقارير التي أصدرتها، بالإضافة إلى التعريف بتقرير «إسلام حضاري ديمقراطي» ومؤلفة التقرير وأهم ما جاء في محتواه والمراجع والمصادر العلمية المستخدمة فيه.
وناقش الفصل الثاني من الدراسة المفاهيم المتعلقة بوثاقة النص القرآني وبيانه «تحليل ونقد»، وذلك من خلال نقد المفاهيم المتعلقة بوثاقة النص القرآني وبالطعن في محتواه، ونقد المفاهيم المتعلقة بالبيان القرآني بالتطرق إلى تاريخية القرآن الكريم وتهميش دور التفسير.
كما استعرضت الباحثة في الفصل الثالث المفاهيم المتعلقة ببعض الأحكام القرآنية، من خلال نقد المفاهيم المتعلقة بأحكام الأسرة والمرأة كحجاب المرأة المسلمة وتعدد الزوجات، بالإضافة إلى نقد المفاهيم المتعلقة بحدّي القصاص والزنا، ونقد المفاهيم المتعلقة بالعلاقة بالآخر، بالتطرق إلى نقد الخلط بين الجهاد والإرهاب، ونقد المفاهيم المتعلقة بالتعامل مع أهل الكتاب.
النتائج
وتوصلت الأستاذة فاطمة الزهراء إلى عدة نتائج بعد إنهاء الدراسة، أهمها أن مؤسسة «راند» بتقريرها «إسلام حضاري ديمقراطي» رسمت أبرز الملامح والمحاور لحرب أفكار غربية بقيادة أميركية ضد الإسلام والمسلمين، وأكدت أن التقرير يهدف إلى تغيير الإسلام وإعادة بناء إسلام جديد، غير مقاوم للحضارة والهيمنة الغربية.
كما أشارت النتائج إلى أن التقرير لم يخرج عن أسس المنهج الاستشراقي تجاه القرآن الكريم، حيث لم يكن موضوعياً ولا واقعياً في معظم جوانبه، بالإضافة إلى اعتماده على مصادر ومراجع بعيدة كل البعد عن المصادر الأصلية لفهم حقائق القرآن وإدراك معالمه.
كما أوضحت النتائج أن المفاهيم التي تضمنها التقرير تكشف عن جهل محرريه بلغة العرب، ومعاني النصوص القرآنية، كما تكشف عن تدليس وتلبيس، ومجافاة للمنهجية العلمية المعتمدة في إنجاز مثل هذه التقارير.
وأكدت نتائج الدراسة بطلان ما ذهب إليه التقرير من أن القرآن الكريم لم يدوّن إلا بعد وفاة الرسول –صلى الله عليه وسلم- حيث تم تدوينه وجمعه في الصدور والسطور في عهده -صلى الله عليه وسلم- أولاً بأول حال نزوله، حتى إذا انتهى النزول كان مكتملاً جمعه في الصدور وفي السطور، ولم ينتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى إلا وقد اكتمل جمعه وتدوينه.
تفنيد محاولة الطعن في محتوى القرآن الكريم، بناء على الروايات المنسوبة إلى أُبيّ بن كعب وعبدالله بن مسعود -رضي الله عنهما- حيث ثبت أنه لم يُفقد شيء من سور القرآن أو آياته، وأن هذه الروايات قد تم تحميلها ما لا تحتمل.
ولفتت النتائج إلى أن دعوى تاريخية النص القرآني واهية جداً، وقد اتضح أن القول بها مبني على الخلفية الغربية تجاه ما يسمى بالكتاب المقدس، وقد حاول التقرير إسقاط النظرة الغربية على القرآن الكريم، لكن وضع النص القرآني يختلف عن وضع النصوص المقدسة في الفضاء الغربي، ومضمونه مغاير تماماً لمضمونها، وهذا هو الذي جعله صالحاً لكل زمان ومكان، بدلائل النقل والعقل والتاريخ والواقع.
كما أفادت نتائج الدراسة أن دعوى تقليص دور التفسير هدفها إبعاد المسلمين عن التراث التفسيري، وقد بيّنت أن المفسر للقرآن يختلف عن المفسر للكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى، إذ لا تحتكر فئة رجال الدين -العلماء-عندنا فهم النص القرآني، وهذا الفهم يُبنى على أصول وثوابت علمية لا يمكن بأي حال التساهل فيها.
وأكدت النتائج أن الجهاد -بحسب نصوص القرآن الكريم- بعيد كل البعد عن الإرهاب وفق المفهوم الغربي، والذي حاول التقرير إلصاقه به، كما أنه لا تناقض في مسألة تعدد الزوجات، وما تضمنه التقرير مبني على قصور شديد في العلم باللغة، وبملابسات نزول الآيات وتفسيرها.
وأوضحت أن المفهوم المتعلق بموقف القرآن من أهل الكتاب لا يتأسس على نظر صحيح وفهم سليم لمجمل الرؤية القرآنية لعلاقة المسلمين بأهل الكتاب غير المحاربين، وهي الرؤية المبنية على البر والقسط والتعايش.
التوصيات
وخلصت الباحثة إلى توصيات مهمة جداً، وهي إنشاء مراكز بحثية تُعنى بمتابعة ورصد جميع التقارير والبحوث الغربية المتعلقة بالإسلام، ثم دراستها والرد عليها، وضرورة الاهتمام بعقد ورش عمل ومؤتمرات للتباحث حول آليات التصدي للمواجهات الفكرية، مع توظيف الرسالة الإعلامية المتزنة للدفاع عن ثوابت الأمة المسلمة ومسلماتها.