وسائل «التواصل» الاجتماعي أصبحت وسائل «فصل» بين الأسر

alarab
تحقيقات 04 يناير 2016 , 02:04ص
رانيا غانم
تجتمع الأسرة مساءً في مجلس واحد، لكن كل منهم في واد، لا صوت يصدر من الجلسة إلا أصوات تنبيهات الهواتف باستقبال رسالة أو محادثة من شبكات التواصل الاجتماعي التي انشغل كل واحد منهم بالدردشة خلالها..

تلتئم العائلة في اجتماع أسبوعي أو حتى مناسبة، عيد، عرس، أو حتى وليمة عائلية دورية في بيت الجد أو الأخ الأكبر، لكن المشهد ذاته يتكرر. كل واحد من الحضور منشغل بجواله عن الباقي، رغم مرور أيام وربما أسابيع أو شهور لم يجتمعوا معا.. يرغب أفراد الأسرة في الخروج إلى المطعم لـ «تغيير جو»، وإلى أن يحضر الطعام يمسك كل منهم بجواله ليتفقد موقعه المفضل ويتحدث عبره لأصدقائه، ربما لا يربطه بخروجه اليوم إلا صور الطعام التي يصورها ويرفعها لمتابعيه على إنستجرام أو سناب شات، فيشاركها أصدقاءه الافتراضيين ولا يشارك فيها أهله الحقيقيين..

طفل يأتي إلى أمه يشكو لها ما حدث من أصدقائه أو يريد أن يقص عليها تفاصيل يومه في المدرسة التي يراها بالغة الأهمية، وظل محتفظا بها في ذاكرته كي يرويها لأمه عند عودته كي تشاركه لحظات الفرح أو الحزن الموجودة بها، أو تشجعه على ما ظن أنه أمر جيد سيعجب أمه ويجلب له منها كلمات التشجيع والحب، إلا أنه يجدها مشغولة عنه بجوالها فلا تنتبه لكلامه، بل قد تزيحه بعيدا عنها لتكمل محادثتها مع الغرباء، وأحيانا تصرخ فيه إذا أصر على الكلام معها بينما هي مشغولة بما هو «أهم»..
وهذا أب يمسك بجواله وينشغل عن شكوى ابنه من بعض الأمور التي انتظر عودة أبيه بفارغ الصبر حتى يشد أزره ويكون له سندا وعونا، لكنه لا يجد منه إلا التجاهل وعدم الاهتمام، وحتى الزوجة التي جمعت شكاوى اليوم من الأبناء لتطلب تدخله وتطلب سلطته الأبوية في تقويم بعض سلوكياتهم، أو حتى أرادت مشاركته الرأي في بعض الشؤون الأسرية والقرارات المصيرية الخاصة بالأولاد، فلا تجد أمامها إلا ذهنا مشغولا، لا يعطي دقائق من التركيز للزوجة أو الأولاد أو شؤون الأسرة.
صور تتكرر يوميا في غالبية بيوتنا، حتى تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسائل «فصل» أو «تفاصل» اجتماعي بمعنى الكلمة، فصلت الأسر والعائلات عن بعضها بعضا، فيجمعهم سقف واحد وتفرقهم تلك المواقع.

لكن على الجانب الآخر، هناك من يرى أن تلك المنصات زادت من تقريب الأسر والعائلات من بعضها بعضا خاصة المغتربين، حيث جاءت هذه الشبكات لتكون لهم عونا على تحمل الغربة، ووسيلة جعلتهم متواجدين معا في كل المناسبات واللحظات مهما بعدت المسافات.
«العرب» استطلعت آراء الفريقين اللذين بدا لكل منهما وجاهته، وإن اتفق الجميع على ضرورة ترشيد استخدامها وإعادة النظر في تعاملهم معها. أما الخبراء فيرون أن الاعتدال أمر لا بد منه وأن خير الأمور الوسط.

كان زمان
تقول أم عبدالملك «قبل سنوات كان اجتماعنا العائلي في بيت الجد دافئا حيث نتحدث سويا ونتناقش في الأمور الخاصة بالعائلة والأولاد، كما يلتقي شباب العائلة والصغار ويحلو السمر والدردشة فيما بين الجميع، أما الآن فقد تحولت اللقاءات إلى مواعيد روتينية، تشعرين خلالها أن الجميع يحضر لتأدية واجب عليه ليس أكثر، مع التباهي ببعض الملابس أو المجوهرات والجوالات والساعات وغيرها، وبخلاف هذا لم يعد هناك حديث مشترك، كل واحد من الجالسين مشغول بجواله، وأصوات التنبيهات للرسائل الواردة من الواتس أب أو السناب شات والإنستجرام لا تتوقف لحظة، ولو كانت هناك مساحة صغيرة للحديث فلا تخلو أيضاً من تدخل الجوال، فهذه تُري الأخرى الموجود على حسابها على سناب شات من فيديوهات صغيرة، وتلك تطلعها على آخر نكتة أو إشاعة وردت عبر الواتس آب، وهذه تعرض الصور التي صورتها في السفرة الأخيرة لها أو للموديلات التي أعجبتها في المتجر الذي زارته مؤخرا ووضعتها على إنستجرام، وهكذا، أما الأحاديث العائلية والاهتمام بشؤون بعضنا بعضا فلا مكان له، وحتى بين الرجال والشباب يحدث الأمر ذاته، نجد كل واحد مشغولا بجواله ويتخذ ركنا في المجلس لمتابعة رسائله وتغريداته.

بالفعل الأمر أصبح غير محتمل. أتمنى لو صدر قرار من كبراء الأسر والعائلات بترك الجوالات على باب البيت خلال اللقاءات العائلية حتى تعود مرة أخرى لطبيعتها والهدف منها ولدفئها وأجوائها الحميمية التي كانت في السابق».

بلا جدوى
وتعترف أم عمر –التي بدت صريحة للغاية خلال حديثها معنا- بأن مواقع التواصل الاجتماعي تأخذ الكثير من الوقت الذي يجب أن تمضيه مع أسرتها، وتقول إنها حاولت كثيرا التخلي عنها أو التقليل من استخدامها، لكنها تشعر وكأن الأمر قد تحول إلى إدمان فلا يمكنها التخلي عنه بل على العكس تزيد فترات جلوسها عليه، بل وتستهلك من وقت نومها وراحتها أيضاً لتتمكن من تمضية وقت أطول عليه.. «لا أتمكن من استخدام الجوال في عملي، وأشعر عند العودة إلى المنزل أنني متعطشة للغاية لاستخدامه وأنني خلال تلك الساعات في الدوام كنت مقطوعة عن العالم، لذا فبمجرد أن أعود إلى البيت أغير ملابسي وأمسك بالهاتف، وأتصفح مواقعي المفضلة خاصة الواتس أب حيث أجد في انتظاري عشرات الرسائل علي الاطلاع عليها وكذلك السناب شات، وخلال ذلك أقوم بتحضير الطعام لعائلتي كل حسب ظروفه، لأننا لا نتجمع على مائدة واحدة بسبب ظروف العمل وطبيعة الأولاد، وبالطبع خلال الطعام يمسك كل واحد بجواله، وهذه العادة السيئة أعتقد أنني من بدأتها، فأنا لا أستمتع بتناول الطعام بدون الجوال وتصفح المواقع، وبعدها أبدأ في القيام ببعض الأعمال المنزلية وخلالها أيضا أمسك بالجوال الذي لا يفارقني، وأحيانا لا أجد وقتا للمذاكرة لمن يحتاجني من الأبناء أو اللعب مع ابنتي الصغيرة أو الحديث مع الأكبر، وكثيرا ما ألوم نفسي على هذا وأعقد العزم على التخلص من كل هذه الوسائل، لكن لا أستطيع، وفي إحدى المرات قمت بإلغائها جميعا من جوالي، لكن بعد فترة عدت إليها مجددا، رغم أنني أعدتها على أمل أن أقنن دخولي إليها، لكن هذا لم يحدث، وشيئا فشيئا عدت إلى سابق عهدي وربما أسوأ، لدرجة أني الآن أظل عليها بعد أن ينام زوجي والأولاد لساعات الصباح الأولى، ولا أنام إلا ساعات قليلة للغاية قبل أن أقوم بعد الفجر لتجهيز الأبناء للمدارس والتوجه إلى عملي، مما تسبب لي في إرهاق كبير ينعكس على يومي وعلى أسرتي، وأتمنى أن أجد حلا بالفعل فأنا غير راضية عن هذا الحال وأشعر أن هذه الوسائل تفقدني الكثير من الوقت الذي أحتاجه لإنجاز الكثير من الأمور المهمة، كما تفقدني أبنائي واستمتاعي بهم في هذا العمر، وكوني قريبة منهم في هذه الفترات التي يحتاجون بالفعل فيها أن أكون بالقرب منهم».
وتعرب الأم عن أمنيتها أن يقل ارتباطها بوسائل الواصل الاجتماعي أو تنتهي لأنها تأخذ من وقتها أفضله، وتدعو الله أن يمنّ عليها بالإقلاع عنها لأنها تراها في نظرها أسوأ من المخدرات».

لا حوار
أما أم سالم فترى أنها هي الأخرى تحب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لكنها تقول إنها تستطيع السيطرة على نفسها، ولا تنشغل بها إلا في أوقات الفراغ أو الانتظار في العيادة أو عند التوجه لمراجعة أي جهة، وتكون هناك أوقات انتظار طويلة، أما وقت البيت والأولاد فلا تمسك فيه جوالها إلا بعد الانتهاء من كل مهامها وانشغال الأبناء بالمذاكرة أو اللعب أو النوم، لكن الأم تشكو من زوجها الذي تراه مدمنا بالفعل على وسائل التواصل لدرجة أن الحوار ينقطع تماما بينهما في البيت، وتوضح أن غالبية المناقشات بينهما تكون عبر الواتس أب وهو في الخارج، أما في الداخل فلا حوار.. «لم يكن زوجي هكذا إلا منذ عام واحد تقريبا، حيث كان يكره مواقع التواصل، ولم يكن له حسابات عليها، وأنا سبقته إلى التواجد فيها، رغم أنني لا أتعامل معها إلا في حدود معينة، وإذا شعرت بأنها تشدني بأكثر من المطلوب أتوقف قليلا حتى أعود إلى المسار الصحيح، أما زوجي ففقد المسار نهائيا، فهو بمجرد دخوله إلى البيت لا يترك جواله، ويظل في محادثات مع أصدقائه أو متابعة حساباته والتغريد عبر توتير طوال تواجده في البيت، وعندما أرغب في محادثته في بعض أمور البيت لا يرد نهائيا، وإن رد يكون دون أي تركيز، أما أكثر ما يغضبني فهو عندما يقوم أحد من الأولاد بالحديث إليه ولا يركز في الكلام أو لا يرد أصلا، وإن تكررت محاولات أحد الأبناء الحديث إليه يصرخ في وجهه، أو يقول له «فيما بعد» أو «انتظر شوي» وبالطبع يطول هذا الانتظار دون فائدة، وحاولت أن أتحدث إليه في هذا عدة مرات لكن دون جدوى، وكل مرة يعدني بأنه لن يستخدم الهاتف إلا قليلا وعند الضرورة، لكنه فعليا لا يتركه من يديه، حتى وهو يقود السيارة ينتهز أي فرصة توقف وينظر في هاتفه، وأحيانا وهو يقود».

درس للجميع
وتابعت «للأسف لم يعد زوجي وحده هو المشغول بهاتفه، فنحن الآن نجلس في البيت في المساء سويا لكن كل فرد في الأسرة يمسك بجواله ولا نتحدث مع بعضنا، والأولاد لكل منهم عالمه الخاص وأصدقاؤه، وحتى عندما نخرج لتناول الطعام معا في الخارج أو نذهب إلى الحديقة يمسك كل واحد من الأسرة بجواله، حتى إنني في إحدى المرات غضبت وأصررت على العودة إلى البيت، فما فائدة الجلوس في الحديقة؟ فبدلا من أن نتمشى أو يلعب عيالنا فيها مع أقرانهم يجلس كل واحد على جواله، وكان هذا بمثابة درس للجميع ليتعلموا منه أهمية التجمع الأسري، وبالفعل جاء الدرس بنتيجة إيجابية في وقته لكنها للأسف كانت مؤقتة».

وترى الزوجة أن الأمر يحتاج إلى أن يكون الزوجان على وعي ودراية بأهمية ترشيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والجوالات خلال وقت التواجد بالبيت مع الأسرة حتى يمكنهم توصيل هذه الرسائل لأولادهم ومنعهم من الانجرار خلفها.. «كثيرا ما يمنع زوجي الأولاد من استخدام الجوال خلال تناول الطعام، أو يطلب منهم التقليل من استخدامه في البيت، لكنهم عندما يرون والدهم يفعل الأمر ذاته، لا يستجيبون لهذه القرارات، أتمنى أن يدرك الآباء والأمهات خطورة هذا الأمر وانعكاسه على تربية الأبناء، والفصل الذي تقوم به هذه المواقع التي يسمونها بالخطأ تواصل، وهي التي فصلت الأسر بعضها عن بعض».

قربت المسافات
لكن على الطرف الآخر هناك من يرى أن هذه الشبكات الاجتماعية قربت منهم الأهل والأصدقاء الذين لا يعيشون معهم، وتنحاز إلى هذا الرأي المقيمة عبير الحاج التي ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي خاصة فايبر وواتس أب كانت سببا في ربطها بعائلتها في وطنها، وأنها خففت كثيرا عليها وعلى أسرتها من متاعب الغربة حيث تتمكن من التواصل مع والدتها وأشقائها وأفراد العائلة على مدار اليوم.. «أعتبرها نعمة كبيرة أن نتواصل مع أسرنا بهذا الشكل، فنحن الآن نتشارك مناسباتنا وأفراحنا وأحزاننا، فأنا أتكلم مع والدتي يوميا وأطمئن عليها وعلى والدي وعائلتي كلها، كما أن التواصل بيني وبين إخوتي لا يتوقف على مدار اليوم بالرسائل القصيرة والتعليقات والصور ومقاطع الفيديو عبر الواتس أب أو الفيس بوك، وهذا أمر جيد للغاية، وأحيانا نفتح الكاميرات على الهواء ونتحدث ويرى أهلي أولادي وأرى أولاد إخوتي ووالدي، وكل هذه الأمور رائعة، وعندما أحتار فيما أطبخ اليوم أو أنسى وصفة معينة من طبخات أمي أتصل بها في الحال وأسألها عن الطريقة، وعندما أذهب لشراء ملابس أو قطع ذهبية أو ملابس للأولاد أصورها وأرسلها لشقيقتي فتساعدني في الاختيار، وكذلك شقيقي الأصغر يرسل لي هو الآخر ما يختاره من ملابس أو أحذية أو نظارات ليرتديها أو يشتريها وأختار معه لأنه يثق كثيرا في رأيي ويحب أن أشاركه دائما الرأي، وكل لحظة حلوة أو مثيرة تمر عليّ أشاركها أفراد أسرتي وأشعر معها أننا معهم هناك في الوطن وهذا أمر رائع، حتى اللحظات الصعبة نتشارك فيها أيضاً عندما تكون هناك حالة وفاة في العائلة أو مرض نظل على تواصل مع أفراد العائلة طوال الوقت ونخفف عن بعضنا كثيرا».

على مدار اليوم
أما المواطنة أم سعد (اسم مستعار حسب رغبتها) فتشعر هي الأخرى بالامتنان لوسائل التواصل الاجتماعي التي أبقتها على تواصل مع ابنها الذي يدرس بالجامعة في إنجلترا، وجعلتها مطمئنة عليه على مدار اليوم.. «يدرس ابني الأكبر في إحدى جامعات مانشستر وكنت قلقة عليه للغاية لأنه لا يستطيع تدبير أموره بنفسه، خاصة أنها المرة الأولى التي يفارق أسرته فيها، لكنني عبر وسائل التواصل الاجتماعي كنت أطمئن عليه طوال اليوم، عند استيقاظه وتحضير الفطور الذي أساعده في اختياره، وخلال توجهه إلى الجامعة، وأيضا عند تناول الغداء حيث أقدم له بعض الوصفات السهلة الصحية حتى لا يعتمد بشكل كامل على أكل المطاعم، وكنت أوقظه لصلاة الفجر حسب توقيتهم هناك وأيضا أيام الاختبارات، وأحيانا نقرأ بعض آيات القرآن سويا، والأذكار، وطوال اليوم نتبادل الصور، هو يرسل لي صوره وصور طعامه وجامعته والأشياء التي يرغب أن أطلع عليها أنا وإخوته، وأنا أرسل له صورنا واحتفالاتنا وكل شيء، وهونت هذه الوسائل كثيرا من بعده عنا، وإن شاء الله تنتهي مدة الدراسة بعد عامين ويعود إلى أسرته سالما غانما».

شريان حياة
الأمر ذاته يشرحه المقيم أبو خالد، وإن كانت هذه الوسائل بالنسبة له ولزوجته تعتبر شريان حياة أكثر ممن تحدثوا إلينا سابقا.. «ذهب ابني للعمل بالولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من عشر سنوات، وكانت هناك مشكلات متعلقة بالإقامة تمنعه من مغادرتها، وبرغم أنه تزوج وهو هناك وأنجب ثلاثة أطفال لم يتمكن من مغادرة الولايات المتحدة بسبب الإجراءات، في البداية كان يتحدث إلينا عبر الهاتف وكانت المكالمات مكلفة للغاية لدرجة أنه كان ينفق غالبية دخله على شراء بطاقات الاتصال ليهاتفنا أنا وأمه وإخوته، وعندما كنا نطلب منه التقليل حتى يمكنه ادخار بعض المال الذي ينفعه في غربته، كان يقول إن هذه الاتصالات معنا هي الشيء الذي يعينه على غربته وعلى الاستمرار، وبعد أن ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت متاحة للجميع بهذه الدرجة كانت بمثابة طوق النجاة لنا وله، فوالدته تمضي الساعات تتحدث معه، فضلا عن اتصالاته بإخوته، كما نتحدث إلى أبنائه الذين لا نعرفهم إلا عبر الصور والهواتف، ومن خلال وسائل التواصل نراهم وهم يكبرون ويلعبون، ونراهم في مدارسهم وفي تمضية الأعياد، وخلال تواجدهم بالمركز الإسلامي في مدينتهم، ونراهم يلعبون على الجليد وفي الغابات، وحتى خلال ذبح خروف الأضحية، ويشاركنا كل تفاصيل حياتنا ولا نتخذ قرارات بدونه، ولا يخطو إخوته الأكبر منه أو الأصغر منه خطوة إلا باستشارته كعادة أسرتنا، فنتشارك معا كل شيء، وجعلتنا هذه الوسائل قريبين للغاية معا وخففت عنا الكثير خاصة عن والدته التي لا يمر يوم إلا وتكلمه هو وأبناءه، ولو حدث عطل في الاتصال أو تعذر لا يمر يومها، وإن شاء الله يعود إلينا قريبا لنراه وجها لوجه هو وأولاده وزوجته الكريمة التي أحبتها أسرتنا رغم أننا لم نرها إلا من خلال تواصلنا سويا عبر الإنترنت، حيث تمكن من إنهاء الإجراءات أخيرا وينتظر الحصول على إجازة من عمله للسفر إلينا، ولذا نحن ممتنين لوسائل التواصل الاجتماعي التي جعلتنا قريبين رغم تباعد المسافات بيننا».

أبعدوا المشوشات
ويوضح الخبير الأسري وعميد الشؤون الأكاديمية والدراسات العليا المساعد بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور حمود القشعان، أن استخدام الإنترنت ارتبط بكثير من الجوانب اليومية والحياتية للإنسان، فأصبح هناك تأثير مباشر لاستخدامه على الفرد، كما ارتبط بعدد من المتغيرات الاجتماعية، وهو نتيجة حتمية لظهور تكنولوجيا حديثة أو تكنولوجيا متقدمة. فظهر كثير من الأعراض والآثار الاجتماعية والنفسية إزاء هذا الاستخدام. موضحا أن مستخدمي تكنولوجيا المعلومات قد سجلوا انخفاضاً في معدلات التفاعل الأسري، والدائرة الاجتماعية المحيطة مع علاقة مباشرة في معدل الوقت الذي يقضونه باستخدام الإنترنت، مما أدى إلى تقلص الدائرة الاجتماعية للفرد والإصابة بالوحدة والتعاسة، والبقاء دون أصدقاء، مشيراً إلى أن الإفراط في استخدام هذه التقنية سوف ينعكس على السلوك الإنساني وعلاقاته الاجتماعية، ويؤثر بشكل كبير على الأسرة التي ينتمي إليها الفرد.. «تناول عدد غير قليل من الدراسات تأثير استخدام الإنترنت على الحياة الاجتماعية الخاصة بالفرد، فقد أفرد كثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية الغربية جوانب متعددة لهذه القضية، وتناول كثير من هذه الدراسات تأثير الإنترنت على مفهوم ما يسمى بالعزلة الاجتماعية كأحد التأثيرات السلوكية على سوء استخدام الإنترنت. وخلصت هذه الدراسات إلى ارتباط استخدام الإنترنت بمفهوم العزلة والوحدة. ولكن وفي المقابل بينت بعض الدراسات الدور الإيجابي لاستخدام الإنترنت، خاصة لدى فئة كبار السن. فقد أشار عدد من الدراسات إلى مدى التأثير الإيجابي لاستخدام الإنترنت على فئة كبار السن وذلك من خلال تكوين علاقات اجتماعية عبر الشبكة».
وتابع «منذ أسابيع كان قادة العالم يناقشون مشكلة تلوث المناخ في باريس، لكنني أرى أن المناخ ملوث أكثر بالتكنولوجيا، وانظروا إلى الزوجين وهما ينتظران الطعام في المطعم وكل منهما منشغل بجواله بدلا من أن يتبادلا أطراف الحديث، كل منهما في حال، وبدلا من أن يكون الخروج إلى المطعم فرصة للتغيير والحديث المشترك بينهما ومناقشة أمورهم أو تجديد العلاقات بينهما، أصبح وقتا للجوال ولانعزال كل منهما عن الآخر، فحسب الدراسات العلمية كلما زاد استخدام التكنولوجيا قل التواصل الإنساني. كنا في السابق نطلب أن نبعد التلفزيون عن غرفة النوم، لكن اليوم مع الأسف انشغلت غرفة النوم بالسناب شات والإنستجرام وغيرهما، ولذا أول نصيحة أقولها حتى نستطيع أن نعبر عن الحب لأسرنا: ابعدوا عن المشوشات، وأهمها بالطبع وسائل التكنولوجيا».

سلبيات وكوارث
ويتفق معه في الرأي خبير الأمن المعلوماتي والاتصال الرقمي الدكتور عمران سليمان الذي يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تفكك الأسر بشكل كبير، خاصة بعد إدمان أفراد الأسرة عليها، وأصبحت الأوقات الأسرية التي كان ينبغي أن تكون للأسرة تتوجه نحو وسائل التواصل الاجتماعي.. «الإنترنت كما الشمس التي تجذب حولها الكواكب، الكل مشدود إليه بشكل أو بآخر، ولا أحد ينكر أهميته، لكن علينا ترشيد استخدامه واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأن نبعد أولادنا وعائلاتنا عنها قدر المستطاع حتى لا يتحول الأمر إلى إدمان، يكفي أن نعرف أن ستيف جوبز مخترع الآي باد قال في حوار صحافي له مع محرر التكنولوجيا في «نيويورك تايمز»، إن أبناءه لا يستخدمون الآي باد والآي بود لأنه منعهم من هذا، مما دفع المحرر للقيام بتحقيق صحافي موسع اكتشف خلاله أن جميع مسؤولي شركات صناعة التكنولوجيا لا يعرضون أبنائهم لوسائل التكنولوجيا ولا وسائل التواصل كما نفعل نحن بأبنائنا وبأنفسنا، ما دفع المحرر لأن يختتم تحقيقه بعبارة استخلصها من بحثه وهي: «لا بد أنهم يعرفون شيئا لا نعرفه نحن». وأنا أقول إننا دون حتى أن نطلع على ما يخبئونه فنحن نرى بأنفسنا سلبيات بل وكوارث الانخراط في التكنولوجيا بهذا الشكل وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي الذي يعاني منه الغالبية، فتفككت الأسر وحدثت جرائم مروعة بسببها، وعلينا أن نكون حذرين في التعامل مع هذه الوسائل، لا أقول تجنبها تماما لكن أطالب بترشيدها وعدم الانخراط فيها إلى الحد الذي نراه ونضيع داخل شبكاتها التي تضر أكثر مما تنفع، ويبدع أصحابها في ربطنها بها بهذا الشكل».