الإنسان والدولة والحرب.. تحليل للعقل السياسي الغربي

alarab
ثقافة وفنون 03 أغسطس 2013 , 12:00ص
الدوحة - العرب
أصدر مشروع «كلمة» للترجمة، التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة, كتاباً جديداً بعنوان: «الإنسان والدولة والحرب.. تحليل نظري»، للمؤلف كينيث ن. والتز، ونقله إلى العربية عمر سليم التل. يتناول الكتاب بمنهج تحليلي بديع وتمحيص نظري رصين الفرضيات والحلول التي أبدعتها الأدبيات السياسية الكلاسيكية في مسعاها للإجابة عن سؤال: أين تكمن أسباب الحرب ودوافعها؟ فتحقيق السلام ينطوي على فهم لأسباب الحرب ومثل هذا الفهم هو محور الكتاب، وقد استوفى المؤلف شروط الموضوعية بتجشمه عناء الجرد المنهجي «لمستودعات المعرفة» في الفكر السياسي الغربي الكلاسيكي. وبما أن الكتاب يرسي ما يُسمى «مستويات التحليل» التي استُخدمت لاحقاً في تفسير الصراع في النظام الدولي، فإنه يمتاز في أنه يؤسس لنظرية في السياسة الدولية، وإن كان الكتاب نفسه ليس نظرية بحد ذاته. يقسم المؤلف الكتاب إلى «مستويات تحليل» يُطلق عليها تسمية «تصورات», بوَّب ضمنها مواطن أسباب الحرب، وهي: الفرد، والدولة، ومنظومة الدول التي تَعُمّها الفوضى؛ هذه العناوين يمثلها الفصل الثاني والرابع والسادس على التوالي، حيث يعالج المؤلف كل تصور من خلال القوالب التقليدية في الفلسفة السياسية والنظرية السياسية. أما الفصل الثالث والخامس والسابع فيوضحون بالأمثلة والشواهد التاريخية كلاً من التصورات الثلاثة، والفصل الثامن مقالة موجزة حول العلاقة المتبادلة بين تلك التصورات الثلاثة، وخاتمة للكتاب في الوقت نفسه. يعالج التصور الأول عدداً من مقولات المتقدمين والمعاصرين الذين يشتركون في أن طبيعة الفرد الأنانية والعدوانية مصدر المآسي البشرية، بما فيها الحرب، التي يكون اجتثاثها عبر النهوض بالفرد وتنويره، وهو ما نادى به القديس أوغسطين ومارتن لوثر ومالتوس وجونثان سويفت ورينولد نيبور وسبينوزا وغيرهم، وهنا يفحص المؤلف منطق ارتباط، أو عدم ارتباط، التشخيص بالعلاج. ويذهب التصور الثاني إلى أن الإنسان يولد محايداً فهو نتاج مجتمعه، والمجتمع لا يمكن فصله عن الكيان السياسي، فالكيان السياسي الصالح يجعل الناس صالحين، والكيان الفاسد يجعلهم فاسدين، وعليه، فإن التنظيم الداخلي للدول هو سبب الحرب أو السلم، وليس طبيعة الإنسان. ومما تمس حاجة القارئ العربي إليه، وخاصة في ظل ما يجري اليوم، ومعرفة الذهنية التي يصف المؤلفُ من خلالها العلاقة الثنائية المربكة ما بين الحرية التي تفضي إلى فوضى ومن ثم حرب تهدد الأرواح، وبين السلام في ظل طغيان نظام يسلب الحرية، وهنا يصيغ المؤلف بجلاء بعضاً من أهم جوانب المشكلة التي تعالجها التصورات الثلاثة: ففي أوقات السلام يتساءل الناس: ما قيمة الحياة من دون عدالة أو حرية؟ الموت خير من حياة الذل والعبودية. ولكنهم في فترات القلاقل الداخلية والحروب الأهلية وانعدام الأمن يتساءلون: ما نفع الحرية من دون سلطة توطد الأمن وتحفظه؟ وهنا يصبح للحياة أولوية على العدالة والحرية، فإذا كانت الفوضى بديل الطغيان، وكانت تعني حرب الكل ضد الكل، فإن الرغبة بإدامة الطغيان وتحمل سلبياته تصبح أمراً مفهوماً نظراً لأن أحداً ليس بمقدوره أن يتمتع بالحرية في غياب النظام. ووفق التصور الثالث تكمن أسباب الحرب في منظومة الدول نفسها، لا في الإنسان ولا في التنظيم الداخلي للدول، فطالما أنه لا يوجد في فضاء «المجتمع الدولي» سيد أعلى فوق الدول فسوف تبقى البيئة الدولية فوضوية، وبالتالي ستبقى الحرب ملجأً لحل النزاعات بين الدول، وهنا يعتمد المؤلف اعتماداً مركزياً على فلسفة جان جاك روسو في بسط تصوره. رغم التغيرات التي وقعت في العالم منذ صدوره، يبقى هذا الكتاب عملاً كلاسيكياً يفسر من وجهة نظر غربية سبب اقتتال البشر والشعوب، ويكاد يكون مخططاً توضيحياً للعقل السياسي الغربي، إن جاز التعبير، الأمر الذي يجعل منه ضرورة لكل باحث ومُمارس ولفترة غير وجيزة، وإن كان من برهان على ذلك فصدور (35) طبعة من الكتاب في الفترة ما بين 1954-2006.