محمد المتقن: السرعة خارج الطريق السيار قاتلة لكثير من المواهب

alarab
ثقافة وفنون 03 أغسطس 2013 , 12:00ص
أجرى الحوار: أحمد رزيق
بمناسبة صدور ديوانه الجديد (الفجر والغيمة) وعودته إلى جنونه القديم كما عبر عن ذلك مقدم الديوان الدكتور محمد علي الرباوي «هذه هي المجموعة الثانية التي أقرأُ للشاعر محمد المتقن. بين المجموعتين فاصل زمانِيٌّ توهَّمْتُ من خلاله أن الشاعر صار عاقلا. وكلما لاقيتُه سألتُه أن يعود مجنونا كما عهدته. الحمد لله أن أكد لي هذا الشاعر أن الجنون ما زال يصحبه، وأن الشعر ما زال يقوده إلى هذا العالم الرائع». كان لنا هذا الحوار مع الشاعر الدكتور محمد المتقن، وهو شاعر من فاس، صدر له قبل هذا الديوان ديوان «واحات الشدو الجريح» وثنى بعدها بديوانه «الفجر والغيمة» الذي صدر هذه السنة (2013) وضم بين دفتيه خمس عشرة قصيدة، منها: الحروف المبتلاة، العبور، الدم المطلول، cafe france، هوى بغدادي، وردة الجنوب. • أول سؤال يتبادر إلى الذهن عند تصفح ديوانك الجديد «الفجر والغيمة» هو: لماذا هذا الفاصل الزمني الطويل بين ديوانك الأول «واحات الشدو الجريح» الذي صدر سنة 1996 وديوانك الأخير الذي صدر هذه السنة؟ لقد كنت طاردا للشعر طيلة هذه الفترة من بابي على غير عادتي، لأني مررت بجزرهموم وقعت في أسرجنيات تسكنها كما وقع أوليس، وأظن أني نجوت من قبضتها إلى حين، فمن التحضير لشهادة الدكتوراه، إلى النضال الاجتماعي إلى مشاكل والتزامات أخرى كثيرة.. كل هذا أخر صدور هذا العمل وغيره. • لا تخرج الفضاءات الموثقة لمكان الكتابة في ديوانك الأخيرعن فضاءين اثنين هما: البروج وهي المدينة التي اشتغلت بها خلال الفترة الممتدة من 1989 إلى 2004 وفاس مسقط الرأس ومكان العمل الآن، فلم الاقتصار على هذين الفضاءين، وأنت السندباد المتنقل دوما من مدينة إلى أخرى من مدن الوطن؟ - التوثيق للعديد من القصائد بهذين الفضاءين أمر ثابت، وإن كان مسقط رأس بعض القصائد قد تم في فضاءات أخرى، كما هو الحال بالنسبة لقصيدتي الحروف المبتلاة وCafe france وقصيدة العبور. فمكان تشكل الأولى هو درب السلطان بالدار البيضاء عندما زرت مكتبة من المكتبات رفقة بعض الأصدقاء حيث صدمني مساعد صاحب المكتبة بحقيقة كنت أعرفها، وهي أن الإقبال على الشعر في بلدنا قليل جدا، وأن الدواوين الشعرية هي الأقل مبيعا بين سائر الأجناس الأخرى، فكان أن تخلقت قصيدة العبور، وقصيدة مقهى فرنسا تشكلت هي الأخرى بمقهى فرنسا بالدار البيضاء عندما التقيت بعض الشعراء والنقاد وتطارحنا اهتمامات مشتركة ولفت انتباهي نشاط النادل بالمقهى، أما قصيدة العبور فأذكرأنها تشكلت أول الأمر بقرية آيت أورير من أحواز مراكش عندما كنت أزور بعض أقاربي فيها، لكن اكتمال هذه القصائد كان دوما بمكان الاستقرار عندما تتاح لي الخلوة المباحة بالشعر. • سؤال طرحته عليك في فترة سابقة، وأعيد طرحه لراهنيته، تقول: فمعذرة.. إذا الشعر الحزين غدا صدى نايي وخضت بحار أهوال بلا حادي لأني أنسج الأشعار من دم لأولادي! لماذا لا يرجّع نايك إلا الشعر الحزين؟ أليس في الكون والحياة والذات فسحة فرح؟ بل وحتى وأنت ترى خولتك تبرعم في شبيبتك الزهر، لا تنفك تستحضر قروح الأمة وظلم الزنادقة؟ - الناي بطبيعته لا يصدر إلا الأصوات الحزينة، سأكون مخادعا لنفسي ولجمهور القراء إذا قلت: إن السيادة هي لسنين الفرح، الواقع لا يرتفع، لقد أريق دمي وما زال يراق في أكثر من مكان في هذه الأرض، ففلسطين جرح نازف، والشرق كله لا يند عن هذا، وأحباب القلب يراق ماء وجههم في كل مكان بعد أن استبيح دمهم، لمن سأغني إذن؟ الانفراجات القليلة التي تتكون الآن تحيط بها مخاطر كبيرة، ومع ذلك فهذا الحزن الذي ذكرته لا يدفعني إلى أن أصرخ مع السياب: رصاصة الرحمة يا إله! بل هذا يدفعني دفعا إلى أن آوي إلى ركن شديد، وأعفر وجهي وأدور مع دراويش جلال الدين الرومي قائلا: اجبر كسر قلبي فإن العدو قد اشتفى! أنا حزين ولكني متفائل، أرى ما لا يراه الآخرون. • قارئ «واحات الشدو الجريح» و «الفجر والغيمة» على خيط ملحمي انتفاضي ورؤية ثورية رافضة، فهل هو الوفاء لاختيار جمالي محدد، أم هو السياق الموضوعي الضاغط يفعل فعله؟ - الاختيار الجمالي حاضر أملاه سابقا ويمليه حاليا السياق الموضوعي، لست ممن هم مصابون بعمى الألوان، لا شيء تغير، كل ما في الأمر أن الزيف أسقط عن نفسه قناعا من الأقنعة الشفافة الكثيرة التي يتقنع بها، وما زال أحفاد الزنج البيض يحتلون المشهد، وحمدان القرمطي ما زال يحتجز الحجر الأسود! فكيف لا تثور وتنتفض؟ • ملاحظة أوردها مقدم ديوانك الجديد الشاعر محمد علي الرباوي، ولا يملك قارئ الديوان إلا أن يوافق المقدم عليها وهي استحواذ الحيز المشرقي على جل نصوص الديوان، فمن غزة إلى الناصرة والخليل والقدس، إلى بغداد وأم قصر ودجلة، إلى لبنان والجنوب وجبشيت.. فلماذا يضمر الحيز المغربي في شعر محمد المتقن؟ - الحيز المغربي يحضر بالحجم المناسب فالدار البيضاء والحسيمة حاضرتان بشكل صريح، وتجليات أخرى للواقع المغربي تحضر بشكل مضمر، وبقع الدم والضوء التي ذكرتها في عدد معتبر من القصائد فرضت نفسها علي وعلى غيري من الشعراء الجادين. • لماذا يحرص المبدع على أن يمهد لعمله الإبداعي بمقدمة يكتبها غيره؟ ولماذا حرصت على أن يكون التقديم للديوان الجديد للشاعر الكبير محمد علي الرباوي؟ - صنيع فني جميل هذا الذي أسعى إلى إحيائه، من خلال تقديم بعض الشعراء الكبار لبعض أعمالي، في البدء والختام أشعر دائما بأني مدين لأساتذتي الشعراء: الشاعر الكبير محمد السرغيني الذي قدم لديواني «واحات الشدو الجريح»، والشاعر الكبير الأستاذ الصديق محمد علي الرباوي، وبالمناسبة تقديم الأستاذ الدكتور الرباوي للفجر والغيمة، كان لفضله علي وإلحاحه كل مرة يلتقيني فيها على ضرورة إخلاصي للشعر والإبداع، وهذا جزء من الوفاء. • انطلاقا من اهتمامك بالشعر إبداعا ونقدا، كيف يرى محمد المتقن الحالة الشعرية بالمغرب إبداعا ومواكبة نقدية؟ - أرى أن الشعر يصاب في المقتل عندما تفتر المواكبة النقدية، أرى فوضى كبيرة في بناء الاستعارة في كثير مما أسمعه من بعض الشعراء، تجعل القارئ المحترف يتبرم، فكيف بمن عداه. أرى الشعراء الكبار مقصرين من خلال التساهل مع الشعراء الذين يتلمسون الطريق إلى غدهم الشعري، وأرى أن الاستعجال يئد الفن. لا بد من الصبر والأناة، أما السرعة خارج الطريق السيار فهي قاتلة لكثير من المواهب، ولا بد من المكاشفة.. أما المواكبة النقدية فحلم لم يتحقق، أحلم أن تتأسس تقاليد أدبية وعلمية بتضافر جهود النقاد والمبدعين والناشرين المحترفين من أصحاب الحرفة وأمنائها مثل ما هو الحال عند غيرنا فنسمع حينها عن الدواوين الجديدة، وعن القصائد الجيدة، وعن شعراء الأقاليم والجهات، وعن الكتب الأكثر مبيعا، وحينها سنظفر بالمطلوب.