د. أمينة الهيل: اهتمام الدولة بالأسرة مفخرة.. وتوصيات المجلس قابلة للتطبيق
راشد الهاجري: «الزواج الجماعي» يضع حداً لظاهرة بذخ الحفلات
عبد الله السعدي: الدولة أدت أدوارها.. وعلى المجتمع المدني أن يفعل
حظي جانب التنمية البشرية والاجتماعية باهتمام كبير في رؤية قطر 2030، وذلك ما أكدته توصيات جلسة مجلس الشورى في اجتماعه الأخير، والذي أشار إلى الأهداف المسطرة لهذه الرؤية، والتي قال إنها تتحقق من خلال الاهتمام بحماية الأسرة القطرية، وذلك بمعالجة الأسباب المؤدية إلى ارتفاع معدل الطلاق، وإيجاد الحلول لتذليل العقبات المادية للمقبلين على الزواج.
وأشاد خبراء بهذه التوصيات، ونوهوا بإمكانية تطبيقها، فيما اقترح بعضهم محاكاة نماذج لدول إسلامية نجحت في محاربة ظاهرة الطلاق عبر إجبار كل المقبلين على الزواج على المشاركة في برنامج لتأهيل الأزواج، والذي يقدم هنا بالدولة من طرف مؤسسات تُعنى بالاستشارات الزوجية.
«العرب» استطلعت بعض آراء المجتمع المدني حول هذه التوصيات والأهداف الموضوعة وآليات تحقيقها:
إيجاد الحلول
الدكتورة أمينة الهيل مستشارة نفسية تربوية، قالت: إن دولة قطر تهتم بالأسرة كونها نواة المجتمع، واعتبرت توصيات مجلس الشورى مفخرة للدولة، وأوضحت: مناصرة قضايا الأسرة عن طريق تعزيز ودعم السياسات الأسرية القائمة على الأدلة على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية ليس بغريب على دولتنا، التي تدعو إلى دعم الأسرة بوصفها نواة المجتمع واللبنة الأساسية في بنائه، كما تحرص على مجابهة التحديات التي تواجه الأسرة وإيجاد الحلول للمعضلات التي تحول دون استقرار هذا الكيان.
وذكرت د. أمينة الهيل أن الأسرة أساس بناء المجتمعات، واللبنة الأولى التي وضعها الله لاستمرار الحياة على وجه الأرض إلى أن تقوم الساعة، ويُعدّ مفهوم الأسرة أو العائلة من الخصائص المميّزة للإنسان دون سائر المخلوقات فالأفراد متفرقون لا يمثّلون نسيجاً متماسكاً؛ لذا جعل الله تعالى بناء العائلة هو الطريق الصحيح لتكاثر بني آدم في الحياة ومن أفضل النعم التي ينبغي الحفاظ عليها، فإذا صلحت الأسرة انعكس ذلك على صلاح وانضباط أفرادها بلا شك، ويترتب على صلاح الأفراد صلاح المجتمع بأكمله.
أبعاد متعددة
وأضافت د. الهيل: أن الاهتمام بالأسرة يجب أن يقوم على عدة أبعاد أولها: البُعد الديني، موضحة أن صلاح الأسرة في علاقتها بالله والاهتمام بتعاليم الدين، ينعكس على صلاح وانضباط أفرادها بلا شك. ويترتب على صلاح الأفراد صلاح المجتمع بأكمله، فالأسرة هي التي يتشرب منها أفرادها العقيدة والأخلاق، والأفكار والعادات والتقاليد، فالأصل في هدايتك إلى العقيدة الصحيحة بعد مشيئة الله تعالى هي أسرتك، وذكرت أن ذلك يتحقق من خلال دور المساجد والإعلام.
وتابعت: أما البعد الآخر فهو التعليمي؛ إذ إنه في مراحل التعليم المختلفة نجد أهمية النسيج العائلي في حياة الأبناء، خصوصاً في مرحلة التعليم والانتقال من مستوى لآخر؛ لذا يجب الحرص على بناء الأسرة على أسس ثابتة وأصول سليمة وقواعد ربانية منذ الصغر، حتى تستمر معهم هذه الأصول والثوابت إذا اختلطوا بالمجتمع الخارجي في إطار الدراسة.
وهنا أشارت د. أمينة إلى دور المدرسة والمؤسسات التعليمية التي تعنى بالتحصيل المعرفي والثقافي للطفل، ودورها في غرس القيم والمبادئ في أفراد المجتمع، وكذلك تعليمه التاريخ، وغيرها من المعارف التي تجعله مواطناً صالحاً يخدم مجتمعه، ويكون أسرة صالحة يصلح بها المجتمع ككل.
الأمان الوظيفي
ثم تطرقت د. أمينة الهيل إلى رابع بعد وهو البُعد الوظيفي، وهنا ذكرت أهمية أن تعتني الدولة بكل هيئاتها بتوفير وظائف للمواطنين، تجعلهم قادرين على إعالة أسرهم، وفي شق آخر للموضوع ذكرت د. الهيل أن هذه الوظيفة تكون مفتاحاً لخدمة المواطن لوطنه.
ونوهت بأن الأسرة ذات المكانة المرموقة تدعم أبناءها في محيطهم المجتمعي، بمعنى أن المستوى الاجتماعي لهم في الثقافة والمعرفة والعلم، والمعارف والجيران والأصهار يتكافأ مع طبقتهم، فتكون علاقتهم الاجتماعية بالآخرين متوافقة مع تربيتهم وتعليمهم ومكانة هذه الأسرة بين غيرها من الأُسَر، فهذا يدعمك في اختيار أصدقائك وزملائك، وكذلك يدعمك في اختيار المصاهرة والنسب الطيب، فالأسرة الطيبة المباركة تُعلي مكانة أبنائها وتكون مصدر فخر واعتزاز لهم على المستوى الاجتماعي؛ لذا يجب على الأبناء المحافظة على تاريخ عائلتهم ومكانتها والاستمرار في الارتقاء بمكتسباتهم الاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها.
تقدير الأسرة لأفرادها
أما آخر بعد فكان البُعد الإنساني، وهنا تطرقت د. أمينة إلى تقدير الأسرة لأفرادها، واعتبرت أنه بُعد إنساني عميق ومهم، فمفهوم التقدير من المفاهيم المهمة بين أفراد العائلة بعضهم بعضاً وحبهم لدينهم ووطنهم وأمتهم، ويُعدّ من الأمور التي تساعد في زيادة مقدار الحب والامتنان بينهم، حيث تساهم الطريقة الجيدة في الحوار، والتقدير أثناء النقاش، والحديث في أي موضوع، واستعمال كلمات الشكر والثناء، والتعبير عن التقدير في اللقاء كل هذه الأمور من أشكال التقدير، التي تسهم في زيادة سعادة الأسر وتماسكها والارتباط بين أفرادها مهما بعُدت بينهم المسافات، ولا شك أن عصرنا الحالي فقد الكثير من الترابط الأسري بالشكل الذي كان عليه في الماضي، وذلك نظراً لتعدّد وسائل التكنولوجيا الحديثة كالإنترنت والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت لكل فرد من أفراد الأسرة عالمه الذي يعيش فيه، وأثرت بشكل واضح على الانتماء والترابط الأسري عند بعض الأبناء والبنات.
وشددت على ضرورة الرجوع للجو العائلي كما كان في السابق، حتى ولو بشكل أقل من السابق، بسبب نمط الحياة السريع، والمشاغل التي أصبحت تقع على عاتق الأسرة.
وأكدت د. أمينة الهيل أن أهداف مجلس الشورى قابلة للتطبيق من خلال تكاتف الجهود، وقيام كل جانب بدوره على أحسن وجه، معتبرة أن النهوض بالأسرة والحفاظ على كيانها مسؤولية مؤسسات حكومية ومنظمات المجتمع والأسرة في حد ذاتها.
اهتمام الدولة
من جانبه، اعتبر راشد الهاجري رئيس الأكاديمية الدبلوماسية، أن اهتمام مجلس الشورى بموضوع الأسرة والتنمية البشرية للمجتمع، ينبع من اهتمام الدولة بالأسرة كونها النواة الأولى للمجتمع، وذكر المستشار الهاجري أن الأسرة هي نواة المجتمع الأساسية التي تُعد لنا أفراداً قادرين على التفكير والحوار، الذي يقودهم إلى الابتكار وتطوير وتنمية مجتمعاتنا وصولاً إلى تمكينها.
وقال: نحن في دولة قطر نضع الأسرة في مكانة مهمة ذات أولوية خاصة، لدورها الأساسي في بناء مجتمع متطور ومبتكر محافظ على مبادئه وقيمه الدينية والأخلاقية والإنسانية، والتي هي أساس بناء المجتمع وتماسكه، والعامل الأساسي لانطلاق النهضة الشاملة في دولة قطر، والتي تقوم المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي بدعمها من خلال المراكز الاجتماعية التي تعمل تحت مظلتها.
النموذج الماليزي
واعتبر الهاجري أنه لتحقيق أهداف الدولة الرامية إلى تحقيق استقرار أسري في المجتمع، وخفض معدلات الطلاق يمكن الاستعانة بنماذج موجودة وسبق وأن أثبتت نجاحها، خصوصاً أن بعض حالات الطلاق قد تتم في مراحل مبكرة جداً من الزواج، تصل أحياناً بالمتزوجين للطلاق قبل انقضاء فترة شهر العسل.
ومن بين تلك النماذج ذكر المستشار الهاجري النموذج الماليزي الذي حقق نجاحه، والذي يقوم على إجبار كل المقبلين على الزواج على المشاركة في برنامج لتأهيل الأزواج الذي يقدم من طرف مؤسسات تُعنى بالاستشارات الزوجية، وذلك بقصد تعليم المقبلين على الزواج وتثقيفهم في الحقوق والواجبات الزوجية، وذلك للحد من ظواهر الطلاق وخصوصاً الطلاق المبكر، أما فيما يخص المتزوجين الذين مضى على زواجهم فترة زمنية فأرجع الهاجري أن من أسباب كثرة الطلاق هو عدم وجود محاكم شرعية، واستبدالها بمحاكم مدنية، وهو ما قال عنه إنه أضرّ بالأسرة، ورأى أن رجوع المحكمة الشرعية يحد من نسب الطلاق.
أما فيما يخص ارتفاع المهور والمغالاة في حفلات الزفاف، فقال الهاجري: إنه لا يمكن أن تحل عن طريق تشريعات أو قوانين، ولا يمكن إجبار الناس على أرقام معينة، فهي مسألة حسب تعبيره ترجع إلى الوعي والثقافة، ورأى أنه يمكن إضافة بعض المناهج التعليمية التي تثقف الشباب منذ صغرهم فيما يخص أمور الزواج والماديات، وذلك بهدف الحد من ظواهر البذخ والمغالاة، خصوصاً أن الدولة لم تقصر مع الشباب ووفرت جميع الإمكانيات المادية لتسهيل الأمور المادية على الشباب المقبل على مسؤوليات أسرية كبيرة.
ودعا الهاجري إلى إعادة إحياء عادة الزواج الجماعي الذي من شأنه توفير الكثير من المصاريف على الأزواج، والحد من التكاليف المادية التي ترهق الشاب في بداية حياته الزوجية، والذي كثيراً ما يلجأ إلى القروض لتغطية المصروفات.
تشريعات الأسرة
من الناحية القانونية، اعتبر المحامي عبد الله السعدي أن الدولة اهتمت كثيراً بالتشريعات المتعلقة بقضايا الأسرة، وأنها قامت بكل واجباتها فيما يتعلق بحماية هذا الكيان المهم، لتكوين مجتمع صالح متمكن وقادر على خدمة الوطن، لكن بقي دور مؤسسات المجتمع المدني.
وذكر السعدي أن الأسرة تمثل اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، ومن حق المجتمع على الأفراد إيجاد أسر ساكنة، قائمة على أداء الحقوق وتحمّل الواجبات، وأهمية دور الوالدين في صنع بيئة منزلية مدعمة بالطمأنينة، والكفاية المادية والنفسية، بعيداً عن أي نزاع أو خصام، لكن ذلك يتحقق من خلال منظمات المجتمع المدني والإعلام والمساجد ومختلف المؤسسات غير الحكومية، وكذلك الجمعيات من خلال نشر الوعي والتثقيف، أما دور الدولة فيكمن في توفير الدعم لهذه المؤسسات.
وأشار السعدي إلى أن المجتمع يفتقر إلى الوعي والقيم الأسرية، وعلينا البحث في هذه النقاط لكي نحل مشاكل التفكك الأسري وارتفاع نسب الطلاق.