د. ثقيل الشمري: رمضان موسم للتجارة مع الله

alarab
محليات 03 يونيو 2016 , 06:49م
الدوحة - محمد سيد أحمد
ركز الشيخ الدكتور ثقيل بن ساير الشمري في خطبته اليوم بجامع الإمام على الاستعداد لرمضان الذي أعطى الله فيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم خمس خصال، انفردت بها عن جميع الأمم التي فرض عليها الصوم كما فرض على هذه الأمة، مبينا أن هذا الصوم الذي هو ركن من أركان الإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر به أصحابه عندما يقترب.

وأشار الشمري إلى أن الحكمة من الصيام هي استشعار أحوال المسلمين الذين يختلفون عن بعضهم البعض، فالجوع والعطش يشعران المسلم بأحوال الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون، والأمن ونعمته تذكر بإخواننا الخائفين، داعيا إلى مواساة المسلمين وفقرائهم ومد يد العون لهم، فهذا شهر التجارة مع الله كما وصفه فضيلته.

ولدى تناوله آية الصيام قال: دلت آية الصيام على أنه عبادة قديمة، وأنه قد فرض علينا كما فرض على أصحاب الشرائع قبلنا، وأنه ليس من خصائص هذه الأمة، لكنه بعد أن فرض علينا أصبح ركنا من أركان الإسلام التي بني عليها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت".

وكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فيقول عليه الصلاة والسلام: "جاءكم شهر رمضان، شهر البركة، يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء وينظر إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأرو الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله"، ويخبر صلى الله عليه وسلم أنه في شهر رمضان تفتح أبواب الرحمة وأبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، ونادى يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".

ويبين صلى الله عليه وسلم أن أمته قد أعطيت خصالا في هذا الشهر المبارك لم تعطها غيرها من الأمم، يقول صلى الله عليه وسلم: "أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطها أمة قبلها، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، وتصفد فيه مردة الجن فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون في غيره، ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان"، قالوا: أهي ليلة القدر يا رسول الله، قال: "لا، إنما يوف العامل أجره إذا قضى عمله"، فهذه الخصائص التي أعطيت هذه الأمة ليس للأمم التي كانت تصوم قبلنا مثلها، تكريما لنبي هذه الأمة وتشريفا للمؤمنين الذين يمتثلون لأمر الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله ما تقد من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، بشارة وأي بشارة لنا معاشر المؤمنين!

ولفت الشمري إلى أن شهر رمضان هو موسم للعبادة ومتجر للراغبين من أهل الإيمان الذين يبتغون الفضل والثواب من عند الله، فعلينا أن ننتبه من غفلتنا وأن نتزود لآخرتنا، فكثير من الناس أعمتهم الغفلة وهم مستبصرون ونسو الزاد وهم راحلون، ولم يعتبروا بمن سبقهم كيف نزلت بهم المنون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، لذا علينا أيها الإخوة أن تكون قلوبنا حاضرة في جميع عباداتنا، لأن حضور القلب من أسباب إجابة الدعاء، يقول أحد الصالحين: "لو حضرت القلوب لجرت من العيون عيون" فرحم الله عبدا أعتق نفسه من شهواتها وادخر من صحته زادا لمرضه، ومن حياته زادا لقبره، قبل أن يفوت زمن الاستدراك، فإذا حشرت الخلائق ونشرت الصحائف عند ذلك يرى الإنسان جهنم وقد سيقت، إذا رأى الإنسان ذلك يعض أصبعه على الندم حين لا ينفع الندم.

وأشار الشمري إلى أن المسلمين يسعدون بالتمسك بالحق، والعمل به والدعوة إليه، لا يخافون في الله لومة لائم، وأن يقبلوا النصيحة ممن قدمها، ولا يعمهم الهوى عن اتباع الحق، فهؤلاء هم أصحاب القلوب الحاضرة الذين يستشعرون عظمة الله في قلوبهم.

وفي خطبته الثانية قال الشيخ ثقيل بن ساير الشمري: عندما فرض الله سبحانه وتعالى علينا عبادة الصوم، وهو الغني عنا الذي لا يحتاج إلى صومنا ولا إلى عبادتنا، إنما فرضه علينا من أجل أن نصل إلى مرتبة التقوى، حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وكما تعلمون فإن كلمة "لعل" هي للتعليل أي بيان حكمة الأوامر أو النواهي، وهنا تبين حكمة الصوم التي فرض من أجلها، وهي أن نتقي الله تعالى، علما أن التقوى هي اجتناب المعاصي، والحكمة من فرض الصوم هي هذه الحكمة الشرعية التعبدية، وما يتبعها من فوائد بدنية وصحية واجتماعي تعود على الإنسان وعلى المجتمع بفوائد عظيمة، فهذا الشهر العظيم الذي جعله الله موسما رابحا لمن يتجر مع الله، علينا أن نستعد له وأن نخلص العبادة فيه لله، ففيه غفران للذنوب، وتكفير للسيئات، وعلينا أن نكون من التائبين، فالإنسان إما أن يكون من التائبين، أو يصبح من الظالمين، فمن لم يتب من ذنوبه فإنه ظالم لنفسه، وليس هناك قسم ثالث، فالذين يعبدون الله في هذا الشهر عليهم أن يكونوا من التائبين الذين يتقبلهم الله سبحانه وتعالى.

وطالب فضيلته من المسلمين أثناء صومهم وعندما يشعرون بالجوع والعطش فعليهم أن يتذكروا إخوانهم من الفقراء والمساكين واللاجئين، وعندما نأمن علينا أن نتذكر حال إخواننا الخائفين، فكل ذلك يجعلنا نتذكر دائما أناسا من المؤمنين تختلف أحوالهم عن حالنا، يحتاجون إلى مد يد العون منا، ويحتاجون إلى دعائنا لهم في هذا الشهر، فلنبادر جميعا إلى ذلك، فهذا شهر التعاطف والتراحم بين جميع مكونات هذه الأمة.

أ.س/س.س