تعددت الدعوات وكثرت منذ بداية جائحة كورونا قبل عامين إلى تجنب التقبيل والمصافحة، وشدد الأطباء والأجهزة الصحية على التباعد الاجتماعي لتفادي العدوى والوقاية من الفيروس والأمراض التنفسية الأخرى التي تتسبب بها الفيروسات لحين انتهاء فترة انتشار الوباء عالمياً.
وقال الدكتور أسامة عبدالله الموسى أخصائي أمراض الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والعنق: إن أي شخص مصاب بأي من الأمراض الفيروسية تقع عليه مسؤولية الابتعاد عن الآخرين وتجنب التجمعات، وكذلك عادات التقبيل أو «حب الخشوم» أو الاحتضان، وذلك لتلافي نقل العدوى، إذ إن الأمراض الفيروسية تتصف بسرعة الانتقال إلى الآخرين.
وأوضح أنه ينبغي على المرضى والأصحاء المداومة على غسل الأيدي بالماء والصابون، لضمان عدم انتقال الفيروس من شخص إلى آخر.
وتابع الموسى: إن لهذه السلوكيات أهمية شديدة في مجتمعنا، لأنها تنطوي على كثير من المعاني الأخوية والقيم الاجتماعية الإيجابية، لكن الأفضل تجنبها في الأوقات التي تشهد قلقاً أو خوفاً من عدوى الفيروس المستجد.
وحذر الدكتور أسامة الأشخاص الذين يعانون أعراض أي عدوى تنفسية من الاختلاط بالآخرين، وحمّلهم المسؤولية الأخلاقية تجاه ما قد يسببونه لهم من أذى.
تجنب وتفهم
من جانبه، قال الدكتور عبدالله أحمد اليوسف، مساعد رئيس قسم التعليم الطبي، بمؤسسة حمد الطبية: على أفراد المجتمع أن يتجنبوا ويتفهموا أسباب الامتناع عن عادات المخاشمة والمصافحة خلال الفترة الحالية، وبشكل خاص مع المتحور الجديد أوميكرون الذي يعتبر سريع الانتشار، لأنه إجراء وقائيّ، يهدف للحد من انتشار الأمراض المعدية التي تصيب الجهاز التنفسي على وجه العموم.
وأضاف د.عبدالله: في حال المصافحة، ينصح بتطهير اليدين باستمرار، والابتعاد عن ملامسة الفم والعين، منعاً لانتقال أي عدوى.
ودعا مساعد رئيس قسم التعليم الطبي بمؤسسة حمد الطبية إلى الابتعاد عن الأشخاص المصابين بأمراض تنفسية، وعدم الاختلاط بهم، تلافياً لانتقال العدوى، موضحا انه يجب على الأشخاص الذين يعانون الرشح، والزكام، والحمّى، والتهاب البلعوم، التزام منازلهم إلى حين التعافي بشكل كامل.
وقال اليوسف: من الممكن الاكتفاء بالسلام بالمصافحة فقط، شرط أن تغسل اليد بالماء والصابون أو المطهر بعدها، فيما تشكل عادة المخاشمة خطورة أكبر، إذ ينتج عنها تلامس بين الشخصين.
التحية عبر الزمن وأجناس البشر
تظهر صور للمصافحة باليد أو إبراز اليد مفتوحة في حضارات كثيرة، كالحضارة المصرية القديمة وحضارة بلاد الرافدين والإغريق، وتجسدها أعمال فنية وأدبية تعود لآلاف السنين. ويشمل ذلك نقوشا حجرية بارزة للبابليين، فضلا عما ورد بملاحم هوميروس.
ولا يعرف الخبراء تحديدا جذور تلك العادة، لكن اليد الممتدة تبرهن للشخص المقابل أنها لا تحمل سلاحا، ومن ثم يجدر الثقة بها. وعلى مدار عقود درس باحثون تلك العادة ورصدوها بين رموز الفن الإغريقي والروماني، ووجدوا أنها تعكس قربا وتواصلا. وتظهر أعمال فنية كلاسيكية أخرى التصافح باليد في عقد القران، وبين الحكام، وبمواقف أخرى تنطوي على عمل مشترك وترسيخ للأواصر بين البشر.
واليوم أصبح التصافح بالأيدي سمة سائدة في المناسبات الاجتماعية والتجارية. ويذكر المختصون في علم الاجتماع أنه حتى لو لم يعد التصافح باليد يعني حرفيا أن الشخص أعزل، فمازال يحمل نفس المغزى وهو تأكيد النوايا الطيبة.
وقد أظهرت البحوث الاجتماعية أن الناس يكونون أكثر استعدادا لعقد الصفقات والعمل مع من يبادرونهم بالمصافحة باليد ببدء التفاوض، إذ يعكس ذلك ثقة وتعاونا والتزاما بمتابعة العمل. ولهذا تلتقط صور كثيرة للتصافح بالأيدي كعلامة على الثقة والتعاون خلال القمم العالمية كلقاءات زعماء مجموعة العشرين.
وبالطبع ليست المصافحة باليد هي المعيار الوحيد عبر العالم، فهناك بلدان مثل اليابان ينحني فيها الناس احتراما للآخرين، بدلا من المصافحة أو العناق. وفي بلدان أوروبية مثل إيطاليا وفرنسا كثيرا ما يُقبل الناس بعضهم البعض على الوجنتين وفي الخليج هناك طريقة «المخاشمة»، كل تلك العادات أصبحت محظورة بسبب كورونا، حيث أنه توجد الكثير من البدائل. فالأمر لا يكمن في المصافحة في حد ذاتها، لكنه يكمن في الرسالة التي تحملها، وهو التأكيد على التواصل والتعاون. وبالفعل هناك بدائل أخرى يلجأ لها البشر أحيانا مثل الانحناء أو الإيماءة بالرأس كنوع من التعبير عن الاحترام، فالأسطح التي يلامسها الناس بكثرة، مثل مقابض الأبواب، كثيرا ما تحمل آثارا لا تُرى، ومن المهم أن يحرص الناس على غسل أيديهم باستمرار، بالاضافة إلى تجنب المصافحة باليد والتكيف مع الأمر خصوصا أن البشر معروفون بقدرتهم على ذلك التكيف.