النازحون واللاجئون صداع في رأس حكومة الجزائر

alarab
حول العالم 02 نوفمبر 2014 , 01:30م
الجزائر - د ب أ
بإحدى محال بيع الايسكريم بالشارع المرتبط بالجامعة المركزية بوسط العاصمة الجزائرية، تقدمت عجوز بدا على ملامحها عذاب الدهر من سيدتين كانتا برفقة اطفال صغار وطلبت منهن "صدقة" على غرار ما فعلنه مع سورية في مقتبل العمر قبل ثوان، لكن ردهما السلبي لم يعجب العجوز التي خاطبتهن على أنها جزائرية وأنها أولى بكرم أبناء وبنات بلدها. وعندما لم تجد استجابة منهن مضت العجوز وهي تتمتم " انا في بلدي، ومن حقي اذن أن اعيش حياة كريمة كالآخرين".

موقف العجوز لا يعني عنصرية تمكنت فجأة من المجتمع الجزائري وإنما يعكس مشهدا بات يؤرق الحكومة والشعب في آن واحد، فالزائر للمدن الجزائرية يمكنه بسرعة ملاحظة تواجد عدد كبير من النازحين واللاجئين الافارقة وبدرجة اقل السوريين داخل الاسواق وأمام المساجد وفي الشوارع ومحطات القطارات والحافلات، منهم من احترف التسول أو أجبر على ذلك، مستعملا في بعض الاحيان الاطفال الصغار وأساليب اخرى لا تحفظ الكرامة الانسانية.

ظاهرة يخشى أن يكون لها تأثير مباشر امنيا وصحيا على تركيبة المجتمع الجزائري، الذي يواجه خطر دفع ضريبة الاعتقاد السائد بأن وطنه هو البلد الوحيد الأمن في شمال افريقيا فضلا عن اقتصاده المستقر بعض الشيء.

الجزائر من معقل لثوار وأحرار العالم إلى ارض اللجوء للأفارقة

كشف تقرير للجنة الاستشارية لحماية وحقوق الانسان المقربة من الرئاسة الجزائرية، أن الجزائر كانت منذ 1975، بلد استقبال للنازحين من دول الساحل وتمكينهم من الاستفادة من المساعدات الغذائية والمتابعة الصحية.

ويشكل اللاجئون 11ر23 بالمئة من السكان الاجانب في الجزائر، في حين يمثل الاشخاص الذين يحوزون على صفة لاجئ طالب لجوء 6ر35 بالمئة اي 17ر58 بالمئة من مجموع الاجانب المقيمين في الجزائر، 43 بالمئة من هؤلاء يتنقلون إلى أوروبا خاصة ايطاليا واسبانيا، و57 بالمئة يفضلون الاستقرار في الجزائر.

وأشار التقرير إلى أن الاتجار بالبشر لا يكمن فقط في تهريب النازحين عبر الحدود، وإنما يمتد ايضا إلى استغلالهم عبر شبكات التوسل مثلما تم تسجيله في الجزائر العاصمة ومدن شمالية أخرى.

سوء المعاملة واستغلال النازحين واللاجئين يضع الحكومة ومعها المنظمات الاهلية المحلية في وضع محرج ومحل انتقاد المنظمات الدولية.

يقول فاروق قسنطيني رئيس الهيئة الاستشارية لحماية وحقوق الانسان، لوكالة الانباء الالمانية (د .ب .أ)، إن الجزائر ملزمة باتفاقية 1951 وببروتوكول عام 1967 حول اللاجئين، منوها أن القانون ينص صراحة على طرد اللاجئين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية غير أنه شدد على دراسة حالة بحالة والحفاظ على كرامة الانسان.

واعترف قسنطيني، أن تواجد 250 الف لاجئ في الجزائر يتجاوز طاقة الحكومة التي يتعين عليها توفير الايواء اللائق والمتابعة الصحية والغذاء لهؤلاء وفي بعض الاحيان حتى الشغل.

وأكد قسنطيني، أن ما يحدث في ليبيا اصبح يشكل مشكلا اضافيا للجزائر داعيا إلى ايجاد حلولا عاجلة لمشكلة النازحين الذين يقدم بعضهم صورا لا تحتمل في شوارع وساحات المدن الجزائرية.

وتتحدث ارقام غير رسمية، عن انتشار آلاف النازحين واللاجئين (يمثلون نحو 23 بلدا) من بينهم 1523 لاجئ تم التأكد من دخولهم إلى الجزائر بطريقة قانونية.

وبحسب ذات الارقام فإن المهاجرين القادمين من مالي والنيجر وسورية وبدرجة اقل من المغرب والكاميرون وغينيا وسيراليون وتشاد، هم الاكثر عددا.

وإذا كان الاشكال لا يطرح بالنسبة للعرب، فإن عددا كبيرا من الافارقة يجد صعوبة كبيرة في التواصل مع الجزائريين لكونهم لا يجيدون إلا لغتهم المحلية.

موسى ترك زوجته وأولاده في النيجر، وعبر الحدود حتى وصل إلى العاصمة الجزائرية بحثا عن وظيفة تؤمن له قدرا من المال يسمح له بتجسيد مشروع له في موطنه الأصلي. 

موسى الذي يتواجد في الجزائر منذ نحو عام، اشتاق كثيرا لأولاده معترفا بأن القليل من المال الذي يجمعه يرسله إلى قريته عبر شبكات تقليدية تسمح للقادمين من الساحل الافريقي بإرسال الاموال لعائلاتهم.

بداية النزوح للجزائر كانت باتجاه المدن الجنوبية كورقلة وغرداية والاغواط، غير أن اشتداد الحرارة في فصل الصيف وغياب فرص العمل، دفعت بالغالبية إلى مواصلة الهجرة نحو الشمال، لكن من دون ان تتحسن وضعياتهم بالرغم من جهود الحكومة وجمعيات المجتمع المدني ومساعدات الأهالي.

ألف طلب لجوء يقدم سنويا لوكالة الأمم المتحدة تعتبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الجزائر بلد عبور وملجأ لحركات الهجرة المختلطة، كاشفة عن ألف طلب لجوء يقدم سنويا إلى مكتب الوكالة في هذا البلد.

وانتقدت المفوضية الاممية غياب قانون وطني حول اللجوء في الجزائر او هيئة وطنية للفصل في طلبات اللجوء، مما ارغمها على الفصل في الطلبات التي تحال على مكتبها.

وأحصت الهيئة الاممية، 96640 لاجئ وطالب لجوء في الجزائر، 92640 يتم التكفل بهم من قبل الوكالة، اغلبيتهم من اقليم الصحراء الغربية، فيما تقول الحكومة الجزائرية أن عدد اللاجئين الصحراويين يصل إلى 165 الف لاجئ موزعين على خمسة مراكز بمدينة تيندوف الواقعة في الجنوب الغربي من البلاد بالقرب من الحدود المغربية.

كما يتواجد على ارض الجزائر 4040 لاجئ فلسطيني لا تتكفل المفوضية السامية للأمم المتحدة إلا بـ40 منهم فقط مقابل 1500 سوري و400 من مالي و100 من الكاميرون طلبوا اللجوء يتم التكفل بهم جميعا من قبل الهيئة الاممية وشركائها من خلال تقديم المساعدات لهم خصوصا في مجالات التربية والصحة والغذاء والطاقة والنقل.

وبسبب ازدياد النفقات والحاجيات، ارتفعت ميزانية المفوضية الاممية لشؤون الاجئين في الجزائر من 7ر18 مليون دولار في عام 2010 إلى 2ر28 مليون دولار في عام 2013، لتصل إلى 7ر32 مليون دولار في عام 2014.

هذه الزيادة تقول الهيئة الاممية انها ستمكنها من تغطية الحاجيات المتزايدة بسبب تدني برامج المساعدة الثنائية. وبدورها عمدت الحكومة الجزائرية إلى رفع هباتها الممنوحة للوكالة، لتصل إلى 100 الف دولار سنويا منذ 2009، بعدما كانت تتراوح ما بين 50 و60 الف دولار منذ العام الفين.

مشاريع انمائية لتثبيث النازحين

تقول السيدة سعيدة بن حبيلس، رئيس الهلال الاحمر الجزائري والوزيرة السابقة، لوكالة الأنباء الالمانية (د.ب. أ) إن الجزائر مدت يدها للفارين من الاوضاع المأسوية التي تعيشها بلدانهم وان النازحين هم رعايا دول شقيقة وصديقة. وأضافت أن السياسة المنتهجة من طرف الحكومة تختلف كثيرا عن السياسات التي تنتهجها الدول الغربية حيال المهاجرين والتي تبدو قاسية جدا.

ونوهت بن حبيلس، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أمر بعدم طرد أي لاجئ، وأن الجزائر تحترم الكرامة الانسانية ولذلك جهزت مراكز ايواء مفتوحة للنازحين واللاجئين. كما لفتت أن الهلال الاحمر الجزائري قدم مساعدات عديدة لهؤلاء وهو بصدد اطلاق مبادرة جديدة بمساعدة الحكومة للتخفيف من معاناتهم خاصة مع قدوم فصل الشتاء وما يطبعه من برد قارس.

وشددت بن حبيلس، على ضرورة احترام الكرامة الانسانية في التعامل مع اللاجئين والنازحين مؤكدة أن اعوان الهلال يتنقلون إلى محطات القطارات والمستشفيات ومختلف الاماكن والساحات العمومية لخدمتهم وتوفير الحاجات الاساسية لهم والحفاظ على صحتهم.

وكشفت أن بعض من هؤلاء فضلوا خيار العودة الارادية على غرار لاجئين سوريين قرروا العودة إلى دمشق بفضل مساعدة الهلال الأحمر الجزائري الذي تكفل بتذاكر سفرهم عبر الطائرة.

وتوجهت بن حبيلس، بنداء إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومختلف الشركاء والهيئات التابعة للأمم المتحدة على غرار الهلال والصليب الاحمر الدوليين، من أجل المساهمة في خلق مشاريع انمائية في بعض الدول الحدودية مع الجزائر مثل مالي والنيجر من شأنها أن تحث النازحين على العودة إلى قراهم ومدنهم، مؤكدة أن حكومة النيجر ابدت استعدادها للتعاون من اجل تجسيد هذه المشاريع.

الحكومة في مواجهة خطر حقيقي

تعتقد الحكومة الجزائرية التي تخشى تراجع عائدات مبيعات النفط والغاز أنها في مواجهة خطر حقيقي أمنيا وصحيا، حيث طلبت وزارة الداخلية من وحدات الامن والدرك في كل الولايات توخي اقصى درجات الحذر في التعامل مع المهاجرين السريين القادمين من دول غرب إفريقيا، وإخضاعهم وبالتنسيق مع وزارة الصحة للفحص الطبي فور ضبطهم للحد من انتشار فيروس أيبولا. 

اما قيادة اركان الجيش فأعلنت صراحة ان نزوح السكان نحو الحدود الجزائرية " قد يساعد على تسلل عناصر من جماعات إرهابية إلى الوطن مما يشكل خطرا على الأمن والاستقرار بالمنطقة".

وتبعا لذلك قررت السلطات الأمنية بالتنسيق مع المصالح الإدارية للولايات الحدودية، منع إقامة الأجانب بمختلف جنسياتهم في الولايات الجنوبية القريبة من الحدود.