إشراقة الجمعة «جوهر التغيير»
الصفحات المتخصصة
02 أكتوبر 2015 , 06:57ص
اسماء الدوسري
كلنا نفكر بالتغيير وتطوير أنفسنا إلى الأفضل ونبحث عن طرق ووسائل وأشخاص يساعدوننا في إحداث تحولات إيجابية في حياتنا، فهل نحن بحاجة إلى معجزة لتغيير أوضاعنا؟
الناس مختلفون في حظوظهم وفي ظروفهم؛ لذا فهذه الأشياء لا تصلح مقياسا للنجاح، أما التفكير فنمتلكه جميعا بالتساوي منذ مولدنا لكن بعضنا يتجه به وجهة إيجابية فينجح، ويتجه به آخرون وجهة سلبية فلا يصلون للنجاح بل ربما يفشلون.
الإخلاص في العمل هو سبيل الإنسان للنجاح وصنع التغيير والتقدم، فالإخلاص يجعلنا نتخلى عن رؤيتنا الضيقة ونتحرك بنقاء بالمشاركة مع الآخرين لتحقيق ذلك التغيير، أما عدم الإخلاص فينتج عنه الاستئثار بالمكتسبات وإقصاء الآخرين وسيطرة نزعة التسلط من خلال بروز النزعات الأنانية والذاتية، ومن هنا فإن أمراض التخلف والاستبداد والفساد هي نتاج عدم وجود الإخلاص في العمل.
إن جوهر التغيير الصادق والفعال يمر عبر مسيرة الإخلاص، و (الإخلاص) في اللغة يعني صدق توجه القلب وخلوه من أية شائبة ويزداد في معناه بواقع الحياة بأنه التفاني في الأعمال وإتقانها على أحسن وجه، ويمكننا وصفه بأنه الطريق المستقيم للوصول إلى الهدف وهو وبالحساب المتعارف أقصر الطرق وتركيبة النفس الذاتية فطريا ميالة لذلك المبدأ من دون النظر إلى باقي الأبعاد الأخرى.
وجود هذه الصفة في أيّ ميدان سبب للتقدم والنجاح وعكسه يكون الفشل حتميا، فالإخلاص ضد الفساد والتسيب والتساهل والتكاسل والتراخي، ولعل فقدان هذا الشعور في عمل الإنسان جعل دولا كثيرة تعاني من أنواع متعددة من الفشل، السياسي والاقتصادي والخدمي والإداري والتعليمي.
فلو أمعنا النظر لما تعيشه الدول الناجحة في مستويات عدة خصوصا المتطورة منها نجد أن أسباب تقدمها ناتج من التركيبة الاجتماعية والنفسية لذات شعوبها ضمن شبكة رقابة ذاتية مرتكزة على مبدأ (الإخلاص) في جميع الميادين، بحيث أصبحت تلك السمة لديهم بمرتبة القوانين الأساسية والقواعد الأخلاقية التي لا يمكن تجاوزها، فيما فقدت الكثير من الدول ذلك على مستوى واسع، بل أصبح من النادر جدا التفكير بالمصلحة العامة وترك المصلحة الخاصة.
وفي عالمنا العربي خصوصا رغم أننا ننتمي إلى منظومة قيم متعددة من العقائد الدينية والالتزامات الاجتماعية والثوابت الأخلاقية، إلا أنها وللأسف لم تستطع إلى الآن من دفع أغلبنا إلى انتهاج حركة ذات صبغة ونزعة (إيثارية) في واقع الحياة إلا بنسب ضئيلة لم تمكنا من إحداث تغيير ملحوظ.
لم تغفل الأديان السماوية بمجملها عن هذا الجانب، بل وضعته في أساسيات العقيدة والعبادة والعمل، والتأكيد عليه ظل محل اهتمام الجميع، فيما ترجم علماؤنا الأفاضل الآيات القرآنية والأحاديث الواردة، لبيان مدى تأثيره على الواقع الحياتي والأخروي فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).
هذا المنهج الذي فقد من عملنا وتوجهاتنا لن نجد له بديلا، إلا باستحضاره والسير ضمن أطره، فهو يشترك مع الإنسان في جميع فصول حياته، فلا يمكن للإنسان أن يجد ويجتهد في عمل ما إلا إذا كان الإخلاص والإتقان أساسا لحركته.
ومضة
نحتاج في هذا الميدان الكبير والمهم إلى حملة واسعة نبتدئ بها بأنفسنا وعوائلنا ومجتمعنا لنجعل الإخلاص أساسا في جميع الميادين، وإلا فلو بقينا مئات الأعوام على حالنا فلن نجد النجاح ولن نوفق إليه، فالعبرة بالنهايات والأسباب بالمقدمات.