الأزمة الكورية.. الردع صمام الأمان

alarab
حول العالم 02 أغسطس 2017 , 03:57م
الدوحة - قنا
تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية هذا الأسبوع على خلفية التجارب النووية والصاروخية الكورية الشمالية والمناورات المشتركة الأمريكية الكورية الجنوبية، التي تعتبرها بيونغ يانغ "تهديدا لأمنها".

وقد زاد التصعيد وتأجج القلق الدولي بعد تهديدات من واشنطن وبيونغ يانغ بتبادل الضربات النووية والصاروخية، وتهديدات كوريا الشمالية بضرب القواعد الأمريكية في كوريا الجنوبية واليابان وكذلك ضرب الأراضي الأمريكية بصواريخ نووية، حيث قالت /بيونغ يانغ/ إن التجارب الصاروخية التي أجرتها مؤخرا "تجعل كامل الأراضي الأمريكية في مرمى صواريخها".

وأضافت أن التجربة التي أجرتها يوم الجمعة الماضي "اختبرت قدرات الصاروخ على إعادة دخول الغلاف الجوي للأرض".. ويمكن للصاروخ الباليستي العابر للقارات أن يصل خارج الغلاف الجوي للأرض، باستخدام مسار إطلاق حاد إلى ارتفاع عال يسمح لكوريا الشمالية بتجنب مرور صواريخها فوق بلدان مجاورة.

وعلى الرغم من الاختبارات المستمرة التي تجريها كوريا الشمالية، فإن الخبراء يرون أن بيونغ يانغ لا تمتلك حتى الآن القدرة على تطوير تكنولوجيا لتحميل رؤوس نووية على صاروخ طويل المدى وضمان وصوله إلى الهدف المقصود، لكن خبراء آخرين يعتقدون أنه وفقا للوتيرة الحالية لتجارب الإطلاق، فإن كوريا الشمالية يمكنها التغلب على هذه التحديات وتطوير سلاح نووي في غضون خمس إلى عشر سنوات يمكنه أن يصيب الولايات المتحدة.

وردا على التجربة الصاروخية لكوريا الشمالية، نشرت الولايات المتحدة نظاما للدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية للتصدي للتهديد الذي تشكله بيونغ يانغ، ومحور هذا النظام هو صاروخ /ثاد/ الذي لا يحمل رأسا حربيا، لكنه مصمم لاعتراض وتدمير الصواريخ الباليستية داخل أو خارج الغلاف الجوي للأرض، غير أن هذا الإجراء أثار حفيظة العديد من دول المنطقة خاصة الصين التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع بيونغ يانغ، حيث قالت إن نشر نظام صواريخ /ثاد/ يؤثر على التوازن الأمني الإقليمي، غير أن بكين أدانت إطلاق الصاروخ وحثت كل الأطراف المعنية على ضبط النفس وتجنب تصعيد التوترات.. لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقد مرة أخرى، الصين لعدم قيامها، حسب قوله، بما يكفي لوقف برنامج الأسلحة لبيونغ يانغ في الوقت الذي قال إنها "تجني مئات المليارات من الدولارات في التجارة مع الولايات المتحدة".

أما نائبه مايك بنس فقال إن فترة "الصبر الاستراتيجي" مع كوريا الشمالية انتهت وإنها ستواجه عقوبات مشددة في استراتيجية الرئيس ترامب الجديدة.. في الوقت نفسه قال عضو جمهوري بمجلس الشيوخ الأمريكي إن الرئيس ترامب طرح خوض حرب ضد كوريا الشمالية كخيار متاح في التعامل معها.

وفي محاولة تهدف على مايبدو إلى نزع فتيل التوتر، قال ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي إن بلاده لا تسعى إلى توحيد متعجل لشبه الجزيرة الكورية، ولا تسعى إلى تغيير نظامها الحاكم، بل ترغب في إجراء حوار معها في مرحلة ما.

وتمتلك كوريا الشمالية جيشا هو رابع أكبر جيش في العالم من حيث عدد الجنود إذ يبلغ قوامه 1.2 مليون جندي، بالإضافة إلى 4.5 مليون جندي في قوات الاحتياط، بينما تبلغ قيمة النفقات العسكرية السنوية 3.5 مليار دولار، وهي تمثل نحو 25% من ميزانية الدولة.

وبالإضافة إلى القوات البرية والبحرية والجوية، تعتبر القوات البحرية الكورية الشمالية أصغر الوحدات العسكرية، لكنها تضم أسطولا من الغواصات يعتبر أكبر سلاح غواصات في العالم من حيث العدد، إذ يبلغ عددها مئة غواصة، وعلى الرغم من صغر حجم تلك الغواصات فإنها بالغة الخطورة، فبإمكان بعضها حمل صواريخ باليستية وباستطاعتها أن تحمل رؤوسا نووية، وفي مايو من العام الماضي أعلنت بيونغ يانغ أنها اختبرت إطلاق صاروخ باليستي من غواصة، كما تمتلك كوريا الشمالية أحد أقوى الجيوش الإلكترونية في العالم، وكانت بيونغ يانغ قد شنت هجوما إلكترونيا على الولايات المتحدة في نهاية عام 2014، وقد تمكنت بفضل تلك الهجمات من الكشف عن معلومات عسكرية لصالحها.

وتملك كوريا الشمالية قدرات نووية كبيرة، وتعتقد أجهزة الاستخبارات في واشنطن وسول أن لدى بيونغ يانغ ما بين 10 و16 سلاحا نوويا، وأكثر من ألف صاروخ بالستي مختلفة المدى.

وفي سبتمبر 2016، فاجأت كوريا الشمالية العالم بإجراء خامس تجربة نووية لها، اعتبرتها جارتها الجنوبية الأقوى.. وفي يناير من العام الماضي أجرت بنجاح أول تجربة لقنبلة هيدروجينية بإمكانياتها الذاتية، وباستخدام تقنياتها المحلية فقط، ولدى بيونغ يانغ مخزون هائل من الأسلحة الكيميائية، وقد هددت باستخدامه أكثر من مرة ضد سول، ويعتبر ثالث مخزون من الأسلحة الكيميائية على مستوى العالم.

وعلى الرغم من أن الحد الأدنى لمدى الصواريخ العابرة للقارات هو نحو 5500 كيلومتر، فإن بيونغ يانغ تسعى إلى تطوير هذا النوع من الصواريخ بحيث يكون بعضها قادرا على قطع مسافة تصل إلى عشرة آلاف كيلومتر أو أكثر. 

ووفقا لتقديرات الخبراء العسكريين، تستطيع صواريخ منطلقة من أراضي كوريا الشمالية الوصول إلى مدينة نيويورك في زمن قدره 40 دقيقة، وإذا أطلقت كوريا الشمالية صاروخا من إحدى غواصاتها الكثيرة الموجودة في وسط المحيط الهادئ فيمكن أن تصل إلى الأراضي الأمريكية في زمن قدره 15 دقيقة، أما فسحة الوقت التي قد يملكها الرئيس الأمريكي ليقرر توجيه الضربة الثأرية فلن تزيد على 10 دقائق، في حال أطلقت كوريا الشمالية الصواريخ البعيدة المدى من أراضيها.

وفي الوقت ذاته يرى محللون عسكريون أن الولايات المتحدة "تفتقر إلى ما يحصنها من الإصابة بالصواريخ بنسبة 100 في المائة".. وعلى الرغم من إدراك واشنطن لهذا الأمر، فإن القوات الأمريكية "تنهك نفسها في التدرب على إمكانية التصدي لصاروخ عابر للقارات، وهو نفس نوع الصواريخ التي تصر كوريا الشمالية على اختبارها وتطويرها وزيادة قوتها وكفاءتها القتالية، وهو عمل لابد منه لأنه يتيح للقوات تجنب عنصر المفاجأة إذا ما وقعت الواقعة".

وهكذا يستمر السجال والحرب الإعلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، لتشغل بال العالم بالكامل، أو تقسمه إلى فريقين، الأول يتابع الأزمة لمعرفة ما ستؤول إليه في نهاية المطاف، والبعض الآخر يتابع التهديدات المتبادلة وهو على قناعة بأنه لن يحدث شيء، وأن الأمور ستبقى تحت السيطرة رغم أن الأصابع ما تزال على الزناد، لأن كلا من الطرفين يملك ما يمكن وصفه بأنه "رادع كاف" للطرف الآخر، كما أن كل طرف يملك ما يدفع كثيرا من دول العالم إلى التحرك الفوري واتخاذ موقف حاسم قبل أن تتطور المسألة لتصبح معركة مدمرة مفروضة على الجميع، تضر بالكرة الأرضية وكل من يعيش عليها، ومن الواضح أن لدى كثير من دول العالم والمحللين أيضا قناعة بأنه لا شيء سيحدث، ولكن الاستعدادات على الأرض تقول إن كلا الطرفين يتحسب لاحتمالات أن يقدم الآخر على خطوة عنيفة مفاجئة، ويعمل على أن يكون جاهزا لها، خاصة كوريا الشمالية، التي ترفض التواجد الأمريكي حول شبه الجزيرة الكورية، وتورط بعض جيرانها في تقديم يد العون للأمريكان.

وحسب المحللين، فإن الولايات المتحدة لن تكون البادئة أبدا في أي معركة غير سياسية، إلا إذا تأكدت من أن الأمر تجاوز صيغة التهديدات الجوفاء إلى صيغة الحرب الرسمية، هنا فقط يمكن أن تتحرك لتوجيه ضربة وقائية تحميها وتحمي أراضيها من أي سلاح كوري شمالي.

وتصر بيونغ يانغ على تطوير الصواريخ العابرة للقارات كونها تعد "رمزا للتعبير عن القوة" إذ أنها تتيح للبلد الذي يملكها تصويب قوة نارية هائلة على أعدائه رغم وجودهم على الطرف الآخر من الأرض، خصوصا أن كل الأطراف تنظر إلى هذا المبدأ القائم على الردع على أنه ساعد في استتباب السلام في السابق لأنه لا يمكن لطرف أن ينتصر في حرب نووية دون أن يتكبد خسائر هائلة.

ويبدو أن كوريا الشمالية تأمل أن تساعد تجاربها النووية والصاروخية في نهاية المطاف في جلب الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، وانتزاع بعض التنازلات لصالحها.

م . م