سلطان الفلاسي: الإدمان مرض وليس عاراً أو عيباً أخلاقياً
د. عادل سليم: الإدمان سبب حالة كثير من مرضى العيادة النفسية
د. تامر جابر: «الوصمة الاجتماعية» تمنع المريض من العلاج
يجب التدخل المبكر عن طريق مراكز الرعاية الصحية الأولية
استخدام لغة خالية من مصطلحات الوصمة داخل المراكز العلاجية
نظمت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعيةـ ممثلة في إدارة شؤون الأسرة بالشراكة مع المؤسسات والجهات المعنية، أمس، ملتقى الإدمان وما يصاحبه من اضطرابات سلوكية لدى الأطفال واليافعين عبر الاتصال المرئي بمشاركة عدد من الخبراء ومرشدي العلاج من الإدمان.
في البداية ألقت فاطمة النعيمي، مساعد مدير إدارة شؤون الأسرة بوزارة التنمية الإدارية، كلمة افتتاحية تناولت فيها مخاطر إدمان المخدرات على الفرد والأسرة والمجتمع، ونوهت بتكاتف جهود الجهات الحكومية المعنية في التصدي لظاهرة الإدمان على المخدرات، في ظل وجود إستراتيجية وطنية لحماية وتحصين المجتمع من هذه الآفة وتداعياتها المدمرة، وأشارت إلى دور الوصمة الاجتماعية في تفاقم عبء الاضطرابات النفسية للمدمنين وأهمية كسر الوصمة لمساعدتهم على العلاج.
مرض وليس سلوكا إجراميا
من جانبه أشار الأستاذ سلطان الفلاسي، مرشد علاج الإدمان، إلى الإدمان كمرض مزمن أكثر منه سلوكا إجراميا، حيث تم تصنيف الإدمان ضمن مجموعة الأمراض السلوكية التي قد يولد بها الإنسان وتجعل لديه استعدادا أكبر للسلوك الإدماني، مؤكدا أن «بعض أنواع الإدمان» قد تحدث بسبب الأدوية الموصوفة طبيا لبعض العلاجات النفسية والجسدية، كما أن الأشخاص الذين يعانون من مرض الإدمان قادرون على الوصول إلى العلاج التطوعي القائم على الأدلة والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية وعيش حياة صحية ومنتجة.
وأكد الفلاسي أن الإدمان ناتج في الأساس عن ضعف الوازع الديني وطبيعة الشخص اللاهية والمستهترة.
وعن تأثير نظرة المجتمع على المدمن المتعافي، أشار الفلاسي إلى تأكيد الخبراء أن التعامل مع مريض الإدمان - سواء في مرحلة الإدمان أو مرحلة ما بعد العلاج - أمر بالغ الحساسية، فلابد أن يجد في أسرته ومجتمعه ملاذاً آمناً وعليهم أن يشملوه بالرعاية ويشعروه بالاحتواء عقب التعافي، فهذا الأمر من شأنه أن يقوي عزيمته ويزيده ثباتاً ويجعل إعادة اندماجه في المجتمع أكثر سهولة ويسراً، أما نظرة المجتمع العربي لمريض الإدمان باعتباره شيطاناً أو مرتكباً لذنب لا يُغفر بطبيعة الحال سوف تقود لنتائج عكسية، فكل ما يحتاجه هؤلاء المرضى هو بعض الرفق والتعامل ودعمهم نفسياً لتجاوز تجربتهم المريرة مع الإدمان.
نظرة المجتمع العربي
وأكد الفلاسي أن المجتمعات العربية الشرقية ذات طبيعة محافظة تُعلي من قدر قيم المجتمع الأخلاقية والتعاليم الدينية وبطبيعة الحال ترفض كل ما يتعارض معهم رفضاً قاطعاً، لعل ذلك ما جعل نظرة المجتمع العربي لمريض الإدمان مُحملة بقدر كبير من اللوم والاتهام، بل يمكن القول بأن المجتمع العربي كثيراً ما يصور مرضى الإدمان كوحوش كاسرة تهدد أمن وسلامة الآخرين ومستعدة لفعل أي شيء مقابل الحصول على جرعة المادة المخدرة، لعل بعض الأعمال الدرامية كان لها دور في ترسيخ تلك الصورة عن مريض الإدمان بسبب تناولها السطحي ومناقشتها غير الموضوعية لهذه الظاهرة.
وأضاف: كما تتسم نظرة المجتمع العربي لمريض الإدمان بقدر كبير من السطحية والقصور ناتجين عن الجهل بطبيعة وأنواع الإدمان، لذلك فإن نسبة غير قليلة من المجتمع العربي يصنفون الإدمان كجريمة وليس كمرض ويتعاملون مع الشخص المدمن من هذا المنطلق، بينما البعض الآخر ينظر إلى ذويه وأسرته بشيء من الإشفاق باعتبار الفرد المدمن وصمة عار سوف تلتصق بجبينهم مدى الحياة.
دور الأسرة
ونوه الفلاسي بما أوضحته الدراسات والتجارب العملية أن الأسرة تلعب دوراً محورياً في عملية علاج الإدمان إيجاباً وسلباً، أي أنها إما تساهم في نجاح برنامج التعافي وتحقيق نتائج مثالية أو قد تكون سبباً في عرقلته وجعل الأمور أكثر سوءاً، فالأمر برمته يتعلق بمدى قدرتهم على فهم طبيعة مريض الإدمان وكيفية التعامل معه والأهم من ذلك استيعاب حقيقة أن الإدمان في المقام الأول عبارة عن مرض يتطلب العلاج وليس جرماً يستوجب العقاب.
وتابع: يصاب أفراد الأسرة والدائرة المحيطة بالمدمن بشكل عام بحالة من الذعر والغضب عند اكتشاف إدمانه، هذا رد فعل طبيعي ومبرر لكن لا يجب الاستسلام له والانسياق وراءه، بل يجب الالتزام بالهدوء والإقرار بحقيقة أن مريض الإدمان شخص مختلف تماماً عمن كانوا يعرفونه سابقاً، فالإدمان يغير كل شيء بالإنسان، قبل صب الغضب عليه أو توجيه اللوم لابد من فهم طبيعة حالته وأنه مريض يشعر بالعجز التام أمام مرضه، وأن رفضه لتلقي العلاج وإصراره على تعاطي المخدرات لم يعد رغبة في المتعة الزائفة بقدر ما هو خوف من الامتناع عنها.
ولفت إلى أن الخبراء في مجال علاج مرضى الإدمان والتأهيل النفسي يرون أن الحوار هو الخيار الأفضل في تلك الحالة مع استخدام نبرة الإقرار وليس الاتهام، ومن ثم البدء في اتخاذ خطوات جادة في مساعدة مريض الإدمان على التعافي وتجاوز أزمته، وهناك سبيل واحد لتحقيق ذلك وهو التواصل مع مركز علاج الإدمان لبدء عملية العلاج، وكلما كان ذلك مبكراً زادت فرص تحقيق نتائج أفضل خلال فترات زمنية أقل.
المرضى الصامتون
وتحدث الدكتور تامر جابر، رئيس الفريق المعالج بوحدة علاج المراهقين بالإنابة - مركز نوفر، عن المرضى الصامتين نتيجة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإدمان على المخدرات، وقال في هذا السياق إن أحد المخاطر لمرض الإدمان ليست السلوكيات أو الوفاة بجرعة زائدة وإنما الخطر الحقيقي هو الوصمة التي تجعل المريض يمتنع عن العلاج.
وأشار الدكتور تامر إلى أن العوامل التي تحدد الإدمان الى جانب العوامل الأخلاقية ومنها العوال الجينية (50 إلى 80% تعود إلى عوامل وراثية)، وكذلك الصدمات (75% من النساء لديهن تاريخ لصدمات مختلفة)، إلى جانب وقت التعرض للمواد المخدرة (اكتمال تطور العقل إلى 25 عاما).
اضطرابات السلوك
من جانبه، قدم الدكتور خالد عبدالجبار- استشاري الطب النفسي واختصاصي العلاج المعرفي السلوكي بإدارة شؤون الأسرة، مداخلة توضيحية بعنوان «اضطراب التشوش والتحكم بالاندفاع والسلوك» تناول فيها اضطراب السلوك لدى المدمنين ومسار تطور اضطراب السلوك والذي يشمل اضطراب التحدي والمعارضة كمنشأ تمهيدي (25%)، وكذلك فرط الحركة وتشتت الانتباه - عدوانية أشد، مبينا أن 25 – 30% من الأولاد ونحو 50 – 55% من الفتيات المصابات باضطراب السلوك لديهم تشخيص مشترك من ADHD. وأشار إلى نمط من السلوك المتكرر والمستمر، والذي تنتهك فيه حقوق الآخرين الأساسية، أو القواعد الاجتماعية الأساسية المناسبة لسن الشخص أو القوانين، كما يتجلى ذلك بوجود 3 على الأقل من 15 معيارا تشمل تدمير الملكية والخداع أو السرقة، والاعتداء على الناس والحيوانات، إلى جانب انتهاكات خطيرة للقواعد الاجتماعية.
جرس إنذار
واستعرض د. عادل سليم استشاري العلاج النفسي بمؤسسة حمد الطبية، أهم الاضطرابات النفسية المرتبطة بإدمان المخدرات بمداخلة تحت عنوان «جرس إنذار» لرفع الوعي والتنبه لخطورة المشكلة لتساعد على الحذر والتدخل العاجل، مع التركيز على مرحلة الطفولة والمراهقة لأنهم الأكثر عرضة للتعاطي والتأثر بآثاره، كما أن الإدمان في المراهقة يحدث أسرع كثيرا مما يحدث لدى الكبار.
وأوضح أن الكثير من المرضى النفسيين الذين نقابلهم في العيادة النفسية يكون إدمان المخدرات هو السبب الرئيسي في مرضهم، مشيرا إلى تأثير المخدرات على كيمياء المخ وهو ما يؤدي إلى الاضطرابات النفسية المصاحبة لتعاطي المخدرات لدى المراهقين ومنها الاضطرابات الذهنية، اضطرابات القلق، والاضطرابات الشخصية، واضطرابات النوم واضطرابات المزاج والوسواس القهري واضطرابات الطعام وغيرها من الاضطرابات النفسية. بينما تناول د. مأمون مبيّض استشاري الطب النفسي في كلمته العلاقة بين إدمان المخدرات والاضطرابات غير الأخلاقية.
التوصيات
دعا الملتقى إلى زيادة الوعي المجتمعي وتعديل وجهة النظر المتعلقة بمرض الإدمان عن طريق حضور ورش العمل والتعلم الذاتي، ومشاركة الأسر في الخطط العلاجية للمرضى مع تفهمهم طبيعة المرض.
كما أوصى الجهات المختصة بإدراج مرض الإدمان في المنهج التعليمي بصورة أوسع في كليات الطب، والاكتشاف المبكر والتدخل عن طريق مراكز الرعاية الصحية الأولية، واستخدام لغة خالية من مصطلحات الوصمة داخل المراكز العلاجية والمستشفيات، وتعزيز برامج التوعية وتعلم مهارات الحياة لدى اليافعين والمراهقين، وتوفير الدعم للمتعافين من الجهات الحكومية المختصة، وتغيير لغة الإعلام ووسائل التواصل عن مرض الإدمان.. وختم المشاركون توصياتهم بالتأكيد على أن أفضل طرق العلاج من الإدمان هي الوقاية من المرض نفسه.