دعا علماء دين إلى استثمار العشر الأواخر في الإكثار من الأعمال الصالحة وقراءة القرآن الكريم والدعاء للنفس وللوالدين والأرحام والأمة، والاجتهاد فيما تبقى من موسم الطاعات بإكثار الصدقات والتسابق في عمل الخيرات لنيل الدرجات.
وأكدوا في تصريحات لـ «العرب» على اهمية الصدقة خلال ايام الشهر وفضلها في العشر الأواخر لتحقيق التكافل الاجتماعي الذي يقصده التشريع من حيث أن تشعر مع الفقير حيث وُجد، منوهين بفضل اخراج الصدقة عن الاموات في هذه الأيام لما لها من أجر عظيم يحتسب لكل من الميت والمتصدق.
د. عبدالله السادة: استدراك التقصير.. والتوبة من التفريط
قال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله السادة إن العشر الأواخر تستدعي الاجتهاد في العبادة ورفع الهمم للاقتداء بهدي سيد المرسلين، حيث كان صلى الله عليه وسلم، «إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر»، داعيا الى اغتنام هذه الايام لنكون في سجل المقبولين وعداد المرحومين، كما دعا المقصرين والمفرطين باستدراك تقصيرهم والتوبة من تفريطهم.
ونوه فضيلته في تصريح لـ «العرب» بضرورة الإكثار من العبادات والطاعات بما فيها الإنفاق والجود، حيث كان المثل الأعلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يكشف لنا عن حقيقة هذا التلازم والترابط الوثيق بين رمضان وبين الإنفاق والصدقة، فروى ابن عباس رضي الله عنهما، (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس)، أي: بلغ الرتبة العليا في الكرم والجود والسخاء. وفي الصحيحين: «أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا». فما بالك بفضل الصدقة في العشر الاواخر من رمضان حيث يتضاعف الاجر. مبينا أن الجود والكرم كانا ملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، في حين أنه يتضاعف في رمضان حتى يكون كالريح المرسلة.
وأكد ان الصدقة عن الميت تنفعه ويصل ثوابها اليه، ففي الحديث النبوي عن أَبِي هريْرةَ رضي الله عنه أَن رجلا قال للنبِي صلى اللَّهُ عَلَيه وَسلم: إِنّ أَبي مَات وَتَرَك مالا وَلَمْ يوصِ، فَهَلْ يكَفِّر عَنْه أَنْ أَتَصدق عَنه ؟ قاَل: نعم. وفي هذا الحديث جواز الصدقة عن الميت واستحبابها وان ثوابها يصله وينفعه، وينفع المتصدق ايضا ولهذا اكثروا من اخراج الصدقات عن امواتكم في العشر الاواخر فلها فضل كبير ويؤجر عليها الميت والمتصدق.
ودعا فضيلته إلى التفرغ في هذه الأيام للعبادة من ذكر وصلاة وقراءة للقرآن، وتحري لليلة القدر، هذه الليلة التي خصها الله تعالى في عدة خصائص، الأولى أنَّ الله تعالى أنزل فيها سورة كاملة وهي سورة «القدر»، كما أنَّ الله عز وجل أنزل القرآن كاملا «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن»، مبينا إنها ليلة مباركة يضاعف الله فيها أجر الأعمال الصالحة ما يعادل ثواب ألف شهر أي ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر.
د. محمود عبدالعزيز: حسن النهاية يطمس تقصير البداية
قال فضيلة الشيخ الدكتور محمود عبدالعزيز، أستاذ الفقه المقارن وعضو مكتب الفتوى سابقاً إن حسن النهاية يطمس تقصير البداية، وما يدريك لعل بركة عملك في رمضان مخبأة في آخره، فإنما الأعمال بالخواتيم... وأوضح أن الله سبحانه وتعالى قد خص العشر الأواخر من رمضان بمزايا لا توجد في غيرها، وبعطايا لا سبيل في سواها لتحصيلها، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها، فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم، وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر)، منوها إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، خاصة وأن شهر رمضان هو فرصة قيمة للمسلم، وما هو إلا أيامٌ معدودات تتلاشى سريعًا من يدك إن لم تحسن استغلالها، وبدلًا من الندم على الضائع من رمضان، يجب عد العدة والعزم على تعلم كيفية الاستفادة من ساعاته وأيامه.
ولفت إلى أن ما كان اجتهاده واعتكافه صلى الله عليه وسلم إلا تفرغاً للعبادة، وقطعاً للشواغل والصوارف، وتحرياً لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه: {ليلة القدر خير من ألف شهر}، منوها إلى أن الله عز وجل قد أخفى علم تعيين يومها عن العباد، ليكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل، فيظهر من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها، ومن كان عاجزاً مفرطاً، فإن من حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل الوصول إليه.
وتابع قائلا: على الراغب في تحصيل هذه الليلة المباركة الاجتهاد في هذه الليالي والأيام، وأن يتعرَّض لنفحات الرب الكريم المنان، عسى أن تصيبكم نفحة من نفحاته لا يشقى العبد بعدها أبداً، فاستدركوا في آخر شهركم ما فاتكم من أوله، وأحسنوا خاتمته فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن أحسن فيما بقي غفر له ما قد مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي، فإن المغبون حقا من صرف عن طاعة الرب، والمحروم من حرم العفو، والمأسوف عليه من فاتته نفحات الشهر، ومن خاب رجاؤه في ليلة القدر.
ودعا فضيلته إلى التفرغ للعبادة قدر المستطاع، لتعويض ما فات من العشرين الأُوَل من رمضان وختم كتاب الله أكثر من مرة، وجلوسنا في البيت فرصة قد لا تتكرر، الإخلاص في الدعاء، فهذه ليالي الإجابة، وتحقيق المطالب والأمنيات، ادع الله وأنت موقن بالإجابة، ادعه وأنت مستحضر أنّك تدعو ربًا كريمًا جوادًا يعطي بلا حساب، وحاول ألا تمسك الجوال إلا قليلًا، فهو أكبر سارق ومضيع لهذا الزمان الفاضل.
أحمد البوعينين: أفضل ليالي السنة ويجب اغتنامها
دعا فضيلة الشيخ أحمد البوعينين إلى استثمار «أفضل ليالي السنة» واغتنامها بالعبادة والأعمال الصالحة للفوز بما أعده الله لعباده من الأجر والثواب العظيم، مبينا أن للصدقة في رمضان رمزية وخصوصية علينا أن نبادر إليها ونحرص عليها بشتى صورها بما فيها إطعام الطعام، قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)، مشيرا إلى أن السلف الصالح كانوا يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، سواءً كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم». وقال صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). وقال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
صدقة المال
وأضاف: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة.. وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه، قال سمعت عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال فجئت بنصف مالي ـ قال: فقال لي رسول الله: (ما أبقيت لأهلك؟). قال: فقلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟) قال أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا. وفي حديث سلمان: (ومن فطر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة.
وأشار إلى أن الله تبارك وتعالى أخفى ليلة القدر حتى يجتهد الناس فيها لأنها أفضل من ألف شهر، ما يعادل 83 سنة. والذي يقوم العشر الأواخر كلها فقد وقع أجره. ولها علامات، والبعض يجتهد في كل صباح لكل يرى العلامات صبيحة اليوم التالي، وفي ليلة القدر تتنزل الملائكة والروح فيها، ويقول ابن كثير: يكثر تنزل الملائكة في هذا الليلة لكثرة بركتها. وهي سلام إلى مطلع الفجر. يقول مجاهد: سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل سوءا أو يعمل فيها أذى.