هل يؤدي الماء إلى الموت أحيانا؟

alarab
منوعات 01 مارس 2016 , 11:25ص
متابعات
"كلما زاد الشيء عن حده انقلب لضده" مثل ينطبق على المياه فالماء عامل أساسي للحياة ولكن كمية المياه التي نشربها ربما تكون مميتة إذا زادت عن الحد المطلوب.

ما مقدار الماء اللازم لتحويل الماء إلى سم داخل الجسم؟

إن الإكثار من أي شيء يمكن أن يكون قاتلًا، ولكن كلمة "الكثير" تحمل مفهوما نسبيا، فتبعا لباراسيلسوس، مؤسس علم السموم الحديثة، مقدار الجرعة هو ما يحولها إلى سم، واليوم، نحن ندعو هذه الجرعة بـ LD50، والمعروفة أيضا باسم "الجرعة المميتة الوسطية"، حيث إن LD50هو مقدار المادة اللازمة لقتل 50% من عدد الأشخاص الذين يتعرضون لها.

كما يمكن أن نتصور، فإن متوسط مقدار الجرعة القاتلة يمكن أن يختلف بشكل كبير، فمقدرة البشر على تحمل التوكسين البوتولينوم، على سبيل المثال، تكاد تكون أقرب إلى الصفر، فمع LD50 يتراوح ما بين 1.3-2.1 نانوجرام/ كج، فإن بضعة مئات من النانوجرامات من هذا السم العصبي القوي (أي بضع مئات من البليون من الجرام الواحد)، تكفي لوضع حد لحياة أي شخص للأبد.

وبالنسبة لمعظم المواد الأخرى، فإن حد كمية الجرعة القاتلة عادة ما يكون أعلى من ذلك بكثير، ومن بين هذه المواد الماء، مركب الحياة الأساسي، لدرجة أن العلماء الذين يبحثون عوالم شبيهة بالأرض خارج نظامنا الشمسي قد حددوا معايير بحثهم تحت عبارة "الكواكب القادرة على دعم الـH2O السائل".
منذ نعومة أظفارنا ونحن ندرس أن الماء موجود في كل مكان، ولا حاجة للإشارة إلى مقدار النسبة المئوية من الماء التي تغطي سطح الأرض، أو نسبته ضمن الجسم، أو عدد أكواب الماء التي يجب علينا شربها يوميا للحفاظ على ترطيب أجسامنا، كما أننا نعلم جميعا أن الماء هو مركب غريب من الناحية الكيميائية والفيزيائية، وغرابته تجعله حاجة ملحة للحياة.

ولكن لكل مادة، حتى لو كانت تعطي الحياة مثل الـ H2O، حدودها، فالـ LD50 للماء يقدر بـ90 مل/ كج، وقد توصل الباحثون إلى هذا الرقم من خلال دراسة أجروها على الفئران، وذلك على افتراض أن بيولوجيا الفئران والبيولوجيا البشرية متماثلة إلى حد ما عندما يتعلق الأمر بالاستهلاك السريع لكميات كبيرة من المياه، فإذا كان هناك 100 شخص يزن كل منهم 150 كيلوجراما ويشرب كل منهم حوالي ستة لترات من الماء دفعة واحدة، فإن نحو خمسين شخصا من هؤلاء سيموت، وسبب الوفاة سيكون على الأغلب التسمم بالماء.

الماء والشوارد
يحدث التسمم بالماء نتيجة لحدوث خلل في التوازن بين شوارد الجسم (المعادن التي توجد في الدم وسوائل الجسم التي تحمل الشحنة الكهربائية) والمياه، وهي حالة تسمى "نقص الصوديوم في الدم"، ومن الناحية الكيميائية، الشوارد في المادة مؤينة، أي تكاسب أو تفقد الإلكترون أو الإلكترونات عندما تذوب في المذيبات مثل الماء، والمثال الأكثر انتشارا هو ملح الطعام، -صيغته الكيميائية (NaCl) - حيث إنه يتفكك إلى أيونات الكلوريد الإيجابية الشحنة وأيونات الصوديوم السلبية الشحنة عندما ينحل في الماء.

يعتبر الماء من أكثر المذيبات متعددة الاستعمالات التي توجد حتى الآن، وهي خاصية تعود لترتيب ذرات الهيدروجين والأوكسجين ضمنه، ودون الدخول  في التفاصيل، فإن كل جزيء من جزيئات الـ H2O يمتلك شحنة سالبة جزئية قرب ذرة الأكسجين وشحنة موجبة جزئية قرب ذرات الهيدروجين، وهذه الطبيعة القطبية لبنية الماء تسمح له بحل مواد من أي سائل آخر على الأرض (وهو ما يفسر السبب الذي يجعل الماء معروفا في الأوساط الكيميائية بأنه "المذيب العالمي")، بما في ذلك الشوارد مثل الصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم، كلوريد، المغنيسيوم، وفوسفات الهيدروجين، وعلى الرغم من أن هناك العديد من الشوارد الأخرى، ولكن هذه الشوارد على وجه الخصوص تعتبر مهمة للوظائف الفيزيولوجية الطبيعية.

لا يحتوي الماء على أي شوارد بشكل طبيعي، لذلك فإن شرب الماء أثناء القيام بالتمارين الرياضية لا يمكن أن يعوض عن الشوارد المفقودة مع العرق ولا يعيد مستويات الصوديوم إلى حالتها الطبيعية التي تكون عليها عند حالة الراحة، لذلك فإن شرب كميات زائدة من الماء سيضر أكثر مما قد ينفع في هذه الحالة، لأنه قد يؤدي إلى نقص مستويات الصوديوم في الدم.

في الحالات الشديدة من نقص الصوديوم في الدم، تكون الكلى - التي تعتبر الجهاز الأول الذي يساعد في تنظيم مستويات المياه والشوارد في الجسم - قد أُرهقت، ففي حالة الراحة، وفي ظل الظروف الطبيعية، تعمل الكليتان كنظام ترشيح عالي الكفاءة، وتبعا لجوزيف فيرباليس، رئيس الأطباء في المركز الطبي بجامعة جورج تاون فإن الكلى الصحية يمكنها معالجة المياه بمعدل 800-1000 مل في الساعة دون أن تؤثر على المستويات الصافية من الـ H2O في الجسم، ولكن استهلاك المياه بمعدلات أسرع مما يمكن للكلى معالجته، يجعل الخلايا تنقل الفائض عن طريق التناضح إلى مناطق الجسم التي تعاني من ارتفاع في تركيز الشوارد، ابتداءً من الدم لتتسرب في النهاية إلى داخل الخلايا الغنية بالملح في جميع أنحاء الجسم، هذا التدفق الخلوي للمياه يؤدي إلى حدوث تورم يعرف باسم الوزمة (edema)، حيث تتورم خلاله خلايا الجسم وتتضخم نتيجة لكميات المياه التي تم اكتسابها حديثا.

يمكن للوزمة أن تصيب أي خلية، وبالتالي يمكن أن تحدث في أي مكان في الجسم، ولكنها تظهر في اليدين والقدمين والكاحلين والساقين أكثر من باقي الأماكن، ولكن عندما تبدأ الخلايا في الدماغ بالانتفاخ، عندها تصبح الوزمة مشكلة حقيقية، فالخلايا العصبية المنتفخة والمحجوزة داخل الدماغ سرعان ما تصبح بحاجة لوجود مساحة أكبر لتتوسع ضمنها، وعندما يتضخم الدماغ، يمكن أن تحصل أشياء لا تحمد عقباها، فالأعراض الأولية يمكن أن تكون مشابهة لأعراض ضربة الشمس، فهي تشمل الصداع، الإسهال، الغثيان، التشنج، والقيء، ولكن في الحالات التي تتجاوز فيها كمية المياه قدرة الكلى على معالجتها بكثير، يمكن للأعراض أن تتصاعد لتشمل الإصابة بالنوبات العصبية، الغيبوبة، توقف التنفس، الإصابة بفتق جذع الدماغ، والموت.

حالات زيادة الترطيب
لحسن الحظ، يصعب للغاية تعطيل زوجين سليمين من الكلى عن طريق الخطأ، وما يثبت قدرة هذا العضو على معالجة المياه هو أن معظم حالات تسمم المياه تقتصر على الحالات الشديدة من زيادة الشرب ومسابقات الشرب، وقد حدث أمر مشابه لذلك في عام 2007، عندما استهلكت امرأة تبلغ من العمر 28 عاما ستة لترات من المياه على مدى فترة لا تتجاوز الثلاث ساعات أثناء مسابقة شرب أقامتها محطة إذاعية على الهواء مباشرة، ولكن بعد انتهاء المسابقة أشارت إلى أنها كانت في طريقها إلى منزلها ورأسها يؤلمها بشدة، في حين أشار أحد زملائها في العمل إلى أنها كانت تبكي، وبالفعل فقدت الفتاة حياتها بالمحصلة.

من المعروف أيضا أن الرياضيين، خصوصا أولئك الذين يمارسون  رياضات التحمل، يكونون عرضة للإصابة بتسمم المياه، حيث تشير نتائج دراسة نشرت في عام 2005 في مجلة (New England Journal of Medicine) إلى أن شخصا واحدا تقريبا من كل ستة مشاركين في ماراثون بوسطن الذي أقيم في عام 2002، شهد نسبة معينة من نقص الصوديوم في الدم، في حين أشارت دراسة أخرى نشرت في عام 2006 إلى أن نقص الصوديوم في الدم الذي يترافق مع ممارسة التمارين الرياضية يرتبط بشكل كبير  بالإفراط في شرب المياه.


م.ب/م.ب